كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} ثم قال: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ}، كأنه قال: من كان بهذه الصفة فما أصبرهم على النار، فعومل معاملة المعنى الذي تضمنه حتى كأنه قد لفظ به.
فأما المعنى: ففيه وجهان لأهل التأويل (¬1):
أحدهما: أن (ما) هاهنا تعجب (¬2)، كقولهم: ما أحسن زيدًا. فما: رفع بالابتداء، وأحسن: فعل ماض، وهو خبر الابتداء، وفيه ضمير يرجع إلى ما وهو فاعل أحسن، وزيدًا (¬3): نصب (¬4) بأحسن، والتقدير: شيء أحسن هو زيدًا؛ وخُصَّتْ لفظة ما بالتعجب لإبهامها، وهي واقعة على الشيء الذي تتعجب منه، وذلك الشيء ليس مما يعقل (¬5).
فإن قيل: قد قلتم: إن (ما) استعمل لإبهامها، فهلا استعمل (الشيء) إذ كان أبهم الأشياء؟
قيل: إن الشيء ربما يستعمل للتقليل، فلو قلت: شيء حسَّن زيدًا، لجاز أن يعتقد أنك تقلل المعنى الذي حسن زيدًا، وأيضًا: فإن الغالب في قولك: شيء حسّن زيدًا، أنه خبر عن معنى مستقر، وما يتعجب منه، فحقه أن يبهرك في الحال، فأما ما قد استقر وعرف فلا (¬6) يجوز التعجب منه،
¬__________
(¬1) ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 90، "المحرر الوجيز" 1/ 75 - 76، "زاد المسير" 1/ 176 - 177.
(¬2) "تفسير الثعلبي" 1/ 1359، قال في "البحر المحيط" 1/ 494: والأظهر أنها تعجبية، وهو قول جمهور المفسرين.
(¬3) في (أ): (نصبت).
(¬4) في (أ): (نصبت).
(¬5) "البحر المحيط" 1/ 494.
(¬6) سقطت من (ش).

الصفحة 507