قال الفراء: وهذه لغة يمانية، وحكى عن الكسائي قال: قال لي قاضي اليمن: اختصم إليَّ رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه، فقال له الآخر: ما أصبرك على الله عز وجل (¬1)! قال الفراء: ففي هذا وجهان: أحدهما: ما أجرأك على الله، والثاني: ما أصبرك على عذاب الله، كما تقول (¬2): ما أشبه سخاءك بحاتم، أي: بسخاء حاتم، فتقيم حاتم مقام السخاء (¬3).
قال أهل المعاني: وإنما جاز استعمال الصبر بمعنى الجرأة؛ لأن الصبر حبس النفس على الشدة، والجريء يصبِّر نفسه على الشدة، فلما كانت الجرأة تقتضي الصبر سميت به.
وقال السدي: هذا على وجه الاستهانة (¬4) (¬5)، وقد تقول في الكلام لمن تعرف ضعفه، تستخف به: ما أقواك على هذا الأمر!
وقيل: أراد ما أبقاهم في النار، وما أطول مكثهم فيها، كما يقال: ما أصبر فلانًا على الضرب والحبس، أي: ما أبقاه فيهما (¬6).
قال عطاء عن ابن عباس: لم يرد أنهم حين دخلوا النار صبروا عليها،
¬__________
(¬1) ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 103، "تفسير الثعلبي" 1/ 1359، والسمعاني 2/ 134.
(¬2) في (م): (يقال).
(¬3) بتصرف من "معاني القرآن" للفراء 1/ 103، وهذا اختيار الطبري 2/ 92.
(¬4) في (ش): (الاستهابة).
(¬5) ذكره الثعلبي 1/ 1360ولم ينسبه، وكذا القرطبي 2/ 236، وقد أخرج الطبري 2/ 91، والثعلبي 1/ 1360 عن السدي وعطاء وابن زيد وأبي بكر بن عياش نحوه.
(¬6) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 245، "تفسير السمرقندي" 1/ 178، الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1360، "زاد المسير" 1/ 176 - 177.