كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

ولكنه يريد: فما أعملهم بأعمال أهل النار (¬1).
قال أصحاب المعاني: ومعنى التعجب من الله أنه يُعجِّب المخلوقين، ويدلُّنا على أنهم قد حلّوا محلّ من يتعجب منه (¬2)، ولا يجوز على الله التعجب؛ لأنا قد ذكرنا أن التعجب إنما هو مما لا يعرف سببه، والله تعالى عالم لا يخفى عليه شيء (¬3).
الوجه الثاني من التأويل: أن (ما) في هذه الآية استفهام يتضمن التوبيخ، معناه: ما الذي صبرهم؟، وأي شيء صبرهم على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ وهذا قول عطاء (¬4) وابن زيد (¬5)، وقد ذكرنا عن ابن
¬__________
(¬1) تقدم الحديث عن هذه الرواية. وقد ورد هذا عن مجاهد في "تفسيره" ص 94، ورواه عنه الطبري 2/ 91، وسعيد بن منصور في "سننه" 2/ 647، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 331.
(¬2) ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 92، "زاد المسير" 1/ 176.
(¬3) قد دلت النصوص على إثبات صفة التعجب لله، وعقيدة أهل السنة إثباتها كما جاءت دون تأويل، قال الله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}، في قراءة ضم تاء الفاعل، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره" رواه أحمد 4/ 11 - 12، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يعجب ربك من شاب ليست له صبوة" رواه أحمد 4/ 151، وفيه ضعف، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عجب الله عز وجل من قوم بأيديهم السلاسل حتى يدخلوا الجنة" أخرجه البخاري (3010) كتاب الجهاد والسير، باب: الأسارى في السلاسل وغيرها. وحقيقة التعجب: استغراب الشيء، ويكون ذلك لسببين: الأول: لخفاء الأمر على المستغرب المتعجب، وهذا مستحيل على الله؛ لأن الله عليم بكل شيء. والثاني: لخروج ذلك الشيء عن نظائره، وعما ينبغي أن يكون عليه، بدون قصور من المتعجب، وهذا ثابت لله عز وجل، وليس فيه نقص. ينظر: "شرح العقيدة الواسطية" للشيخ محمد العثيمين 2/ 446، "الأسماء والصفات" للبيهقي 2/ 415.
(¬4) رواه عنه الطبري 2/ 91، وذكره عنه الثعلبي.
(¬5) رواه عنه الطبري 2/ 91، ورواه أيضا عن أبي بكر بن عياش، وزاد نسبته في "زاد =

الصفحة 511