قوله تعالى: {اَلحُرُّ باَلحُرِّ} أراد: الحر يقتص بالحر، فحذف لدلالة ذكر القصاص عليه. والحر: نقيض (¬1) العبد، قال أهل الاشتقاق: أصله من الحَرِّ الذي هو ضد (¬2) البرد، وذلك أن الحُرّ له من الأنفة وحرارة الحمية ما يبعثه على المكرمة، بخلاف العبد، ثم قيل للأكرم من كل شيء: حُرٌّ تشبيهًا بالرجل الحر (¬3).
قال المفسرون: نزلت الآية في حَيَّيْنِ من العَرَبِ، لأَحَدِهِما طَولٌ على الآخر، فكانوا يتزوجون نسائهم بغير مهور، فقتلَ الأوضعُ منهما من الشريف قتلى، فحلف الشريف لَيَقْتُلَن الحرَّ بالعبد، والذكرَ بالأنثى. وليضاعفن الجراح، فأنزل الله هذه الآية، ليعلم أن الحر المسلم، كفء للحر المسلم، وكذلك العبد للعبد، والذكر للذكر، والأنثى للأنثى (¬4).
¬__________
= أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله، والانقياد لقصاصه المشروع، وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قتل قاتل وليه، وترك التعدي على غيره، كما كانت العرب تتعدى وتقتل بقتيلها الرجل من قوم قاتله، وأن الحكام وأولي الأمر فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود، وليس القصاص باللزام، إنما اللزام أن لا يتجاوز القصاص إلى اعتداء، فأما إذا وقع الرضى بدون القصاص من دية أو عفو فذاك مباح، فالآية معلمة أن القصاص هو الغاية عند التشاح.
(¬1) في (ش): (يقتص).
(¬2) في (م): (نقيض).
(¬3) ينظر في معاني الحر: "تهذيب اللغة" 1/ 780 - 783، "اللسان" 2/ 827 - 832.
(¬4) ينظر في سبب النزول "تفسير الطبري" 2/ 103، "معاني القرآن" للفراء 1/ 108، "المحرر الوجيز" 2/ 83 - 84، "تفسير الثعلبي" 2/ 175، "أسباب النزول" للواحدي ص 52 - 53، "زاد المسير" 1/ 180، "العجاب" لابن حجر 1/ 423 - 426، "لباب النقول" للسيوطي ص 32 - 33، وقد استطرد الطبري -رحمه الله- في ذكر أسباب نزول للآية، وكلها تدور حول هذا المعنى الذي ذكره الواحدي.