كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

وقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} معنى العفو: هو ترك الواجب من أَرْشِ (¬1) جناية، أو عقوبة ذنب، أو ما استوجبه الإنسان بما ارتكبه من جناية فصفح عنه وترك له من الواجب عليه (¬2).
وقوله تعالى: {مِنْ أَخِيهِ} أراد: من دم أخيه، فحذف المضاف للعلم به (¬3)، وأراد بالأخ: المقتول، سماه أخًا للقاتل، فدل أن أخوة الإسلام بينهما لا تنقطع، وأن القاتل لم يخرج عن الإيمان بقتله (¬4) (¬5).
وفي قوله: (شيء) دليل على أن بعض الأولياء إذا عَفَا سَقَطَ القود؛ لأن شيئًا من الدمِ قد بطل بعفو البعض (¬6)، والله تعالى قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}، والكنايتان في قوله: {لَهُ} و {أَخِيهِ} ترجعان إلى (مَنْ) وهو القاتل (¬7)، ولا يحتاج أن يقال: أخيه المقتول؛ لأن هذا الحكم لا
¬__________
= عبيد وعن غيره أن هذه الآية محكمة، وفيها إجمال فسرته آية المائدة، وأن قوله هنا: (الحر بالحر)، يعم الرجال والنساء، وقاله مجاهد.
(¬1) الأرش: ما يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع، وأروش الجنايات والجراحات من ذلك، لأنها جابرة لها عما حصل فيها من النقص، وسمي أرشا؛ لأنه من أسباب النزل، يقال: أرَّشت بين القوم إذا أوقعت بينهم. "النهاية" ص 33.
(¬2) وهو قول ابن عباس ومجاهد وعطاء والشعبي وقتادة والربيع وغيرهم. ينظر: "تفسير عبد الرزاق" 1/ 66، "تفسير الطبري" 2/ 107، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 295، "تفسيرالثعلبي" 2/ 181.
(¬3) "البحر المحيط" 1/ 12.
(¬4) في (ش): (بقلبه).
(¬5) "البحر المحيط"1/ 12، "التفسير الكبير" 5/ 54، "المحرر الوجيز" 2/ 88.
(¬6) "البحر المحيط"1/ 13، "التفسير الكبير" 5/ 54.
(¬7) "تفسير البغوي" 1/ 191.

الصفحة 534