الدم، ولكنه عفو من الله -جل ذكره-، وذلك أنه لم يكن لبني إسرائيل أن يأخذوا الدية، فجعلها الله لهذه الأمة عفوًا منه وفضلًا، مع اختيار ولي الدم ذلك في العمد، فذلك قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَئٌ} أي (¬1): من عفا الله له بقبول الدية مع اختياره، أي: تَفَضَّل اللهُ عليه من هذه الأمة، ولم يكن ذلك الفضلُ لمن تَقَدَّمَه، قال: وقوله: {مِنْ أَخِيهِ} {مِنْ} هاهنا بمعنى البدل، المعنى: فمن عفا الله له بقبول الدية بدل أخيه المقتول. والعرب تقول: عوّضت (¬2) له من حقه ثوبًا: أي، أعطيته بدل حقه ثوبًا، وما أعلم أحدًا فسر من هذه الآية ما فسرته، فتدبره، فإنه صعب، واقبله بِشُكْرٍ إذ بان لك صوابه، انتهى كلامه (¬3).
ولقد أعجب بقوله، وزلّ (¬4) فيما تكلف، وليس الأمر على ما ذكر، فإن (¬5) قوله {فَمَنْ عُفِيَ} عفو من ولي الدم بإباحة الله تعالى ذلك، ولو
¬__________
(¬1) لخص الواحدي كلام الأزهري، وهذا تمام هذه الجملة 3/ 226: أي: من عفا الله -جل اسمه- له بالدية حين أباح له أخذها بعدما كانت محظورة على سائر الأمم، مع اختياره إياها على الدم، (اتباع بالمعروف)، أي: مطالبة للدية بمعروف، وعلى القاتل أداء الدية إليه بإحسان، ثم بين ذلك فقال: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، لكم يا أمة محمد، وفضل جعله لأولياء الدم منكم، ورحمة خصكم بها، {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ}، أي: من سفك دم قاتل وليه بعد قبوله الدية، {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، والمعنى الواضح في قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَئٌ}، أي: أحل له أخذ الدية بدل أخيه المقتول، عفوًا من الله وفضلًا مع اختياره، فليطالب بالمعروف.
(¬2) في "تهذيب اللغة" 3/ 2283 (عاض).
(¬3) في "تهذيب اللغة" 3/ 2283 (بمعناه).
(¬4) في (م): (وزاد).
(¬5) في (م): (ما ذكرنا وقوله).