قال قتادة: لم تحلّ الدية لأحد غير هذه الأمة (¬1).
قال المفسرون: إن الله تعالى كتب على أهل التوراة أن يُقِيدُوا (¬2)، ولا يأخذوا الدية، ولا يعفوا؛ وعلى أهل الإنجيل أن، يعفوا ولا يقيدوا ولا يأخذوا الدية؛ وخَيّر هذه الأمة بين القصاص والدية والعفو، فقال: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، أي: التخيير بين هذه الأشياء (¬3).
وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} قال ابن عباس: يريد: كما كانت الجاهلية تفعل، تقتل من قوم القاتل عِدَّةً (¬4).
وقال آخرون: أي: ظَلَم فوثب على القاتل فقتله بعد أخذ الدية (¬5).
وفي هذه الآية أدلة على القدرية:
أحدها: قوله في افتتاح الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} ولا خلاف أن القصاص واقع في قتل العمد، فلم يسقط اسم الإيمان عن القاتل بارتكاب هذه الكبيرة.
والثاني: ما ذكرنا في قوله: {مِنْ أَخِيهِ}.
والثالث: قوله: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} وهما يلحقان
¬__________
(¬1) رواه الطبري عنه بمعناه 2/ 111، وابن أبي حاتم 1/ 296.
(¬2) في (ش): (ولا يفتفدوا).
(¬3) روي نحوه عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والربيع وقتادة. ينظر البخاري (4498) كتاب التفسير، باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}، "تفسير الطبري" 2/ 110، وابن أبي حاتم 1/ 296، "تفسير الثعلبي" 2/ 185.
(¬4) لم أجده في الطبري ولا ابن أبي حاتم ولا البغوي، وذكر الرازي هذا القول ولم ينسبه لأحد 5/ 55.
(¬5) تنظر الآثار التي أوردها الطبري 2/ 112، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والحسن وعكرمة والسدي وابن زيد، وكذا عن ابن أبي حاتم 1/ 297.