كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 3)

وهي مدّة غيبة موسى عنهم، فكذّبهم الله عز وجل، فقال: قُل يا محمد: {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} أي: أخذتم بما تقولون من الله ميثاقًا فالله لا ينقُض ميثاقه، أم تقولون على الله الباطل جهلًا منكم. وَ (أَمْ) هاهنا يحتمل أن تكون متصلة على المعادلة لألف الاستفهام بمعنى: عَلَى أي الحَالَتَين أنتم؟ على اتخاذ العهد أم على القول بما لا تَعلَمُون.
ويحتمل أن تكون منقطعة (¬1)، على تقدير تمام الكلام قبلها، كأنه تم الكلام عند قوله: {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} ثم استأنف بـ (أم) على معنى: لا تقولون على الله مالا تعلمون. وكذا تقديرها وإن كانت منقطعةً (¬2).

81 - قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} قال الفراء: (بلى): تكون جوابًا للكلام الذي فيه الجحد، فإذا قال الرجل: ألست تقوم؟ فتقول: بلى. ونَعم جواب للكلام الذي لا جحد فيه، فإذا قال الرجل: هَل تقوم؟ قلت: نعم. قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى} [تبارك:8, 9]، وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، وقال: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44]، وإنما صارت (بلى) تتصل بالجحد؛ لأنّها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهي بمنزلة (بَل)، و (بل) سبيلها أن تأتي بعد الجحد، كقولهم: مَا قام أخوك بل أبوك، وما أكرمت أخاك بل أباك.
فإذا قال الرجل للرجل: ألا تقوم، فقال: بلى، أرادَ: بل أقوم، فزاد الياء على (بل) ليحسن السكوت عليها؛ لأنه لو قال: بل كان يتوقع كلامًا بعد بل، فزاد الياء (¬3) على بل ليزول عن المخاطب هذا
¬__________
(¬1) ينظر: "البحر المحيط" 1/ 278.
(¬2) كذا في الأصل، ولعل الصواب: كذا تقديرها إن كانت منقطعة.
(¬3) أراد الألف المقصورة، وهكذا عدها الفراء ألفًا.

الصفحة 95