كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 4)

وقوله تعالى: {وَيَسْخَرُونَ} مستأنف غير معطوف على {زُيِّنَ}، ولا ينكر استئناف المستقبلِ بعد الماضي، وذلك أن الله تعالى خبر عنهم بـ {زُيِّنَ} وهو ماض، ثم خبر عنهم بعد ذلك بفعل يديمونه ويستقبلونه، فقال: {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: يسخرون من فقراء المؤمنين ويعيرونهم بالفقر (¬1).
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في مشركي العرب، كانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال، ويسخرون من فقراء المؤمنين الذين يرفضون الدنيا (¬2)، وقال في رواية عطاء: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم من بني قريظة والنضير وقينقاع، سخروا من المهاجرين حيث أخرجوا من ديارهم وأموالهم (¬3).
¬__________
= سخرت من فلان، فهذه اللغة الفصحية قال الله تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79].
(¬1) ينظر: "التفسير الكبير" 6/ 7، "البحر المحيط" 2/ 130، وذكر أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره، وهو يسخرون، وقيل الجملة الفعلية معطوفة على الجملة الفعلية، ولا يلحظ فيها عطف الفعل على الفعل؛ لأنه كان يلزم اتحاد الزمان، وإن لم يلزم اتحاد الصيغة، قال: وصدرت الأولى بالفعل الماضي لأنه أمر مفروغ منه، فليس أمرًا متجددًا، وصدرت الثانية بالمضارع لأنها حالة تتجدد كل وقت. وينظر: "الدر المصون" 2/ 371 - 373.
(¬2) ذكره الثعلبي 2/ 698 من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهذا إسناد ضعيف جدًّا، وذكر البغوي 1/ 242، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 228، والسمعاني في "تفسيره" 2/ 263، والرازي في "تفسيره" 6/ 5، "البحر المحيط" 2/ 129، وعزاه أبو الليث في "بحر العلوم" 1/ 198 إلى الكلبي، وقد روى الطبري 2/ 334، نحوه عن عكرمة.
(¬3) تقدم الحديث عن هذه الرواية في المقدمة وقد ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 107 =

الصفحة 106