وقوله تعالى {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قال مقاتل: والذين اتقوا الشرك وهم هؤلاء الفقراء (¬1)، وقال غيره: والذين اتقوا الله في عهدهِ وأمرهِ فوق الذين سخروا منهم (¬2)، يعني: بارتفاع حججهم على حجج الكفار، لأن في القيامة تعلو حجج المؤمنين، ويلزم الذُّلُّ الكافرين (¬3).
قال الزجاج (¬4) وابن الأنباري: يجوز أن يكون (فوق) يدل على علو موضع المؤمنين على موضع الكافرين (¬5)؛ لأن المؤمنين في الجنة، والجنة عالية، والكافرين في النار، والنار هاوية، فوصف المؤمنين بأنهم فوق الكفار، وإن لم يكن للكفار موضع يوصف بالفوقية، كما قال: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] وإن لم يكن في مستقر أهل النار خير. وقال بعض أهل المعاني: أراد: أن حالهم في الآخرة فوق حال هؤلاء الكفار في الدنيا، وعلى هذا يتوجه قوله: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} يعني: أن مستقرهم في الآخرة خير من مستقر هؤلاء الذين اغتبطوا به في
¬__________
= من قول عطاء، وكذا البغوي في "تفسيره" 1/ 242، "زاد المسير" 1/ 228، و"تفسير الرازي" 6/ 5، "البحر المحيط" 2/ 129، وقال مقاتل في "تفسيره" 1/ 181 عند قوله: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}: نزلت في المنافقين: عبد الله بن أبي وأصحابه، {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}، في أمر المعيشة بأنهم فقراء نزلت في عبد الله بن ياسر المخزومي وصهيب، وفي نحوهم من الفقراء.
(¬1) "تفسير مقاتل" 1/ 181.
(¬2) ذكره في "الوسيط" 1/ 315، وينظر: "تفسير الطبري" 2/ 333 - 334.
(¬3) ينظر: "زاد المسير" 1/ 228، "التفسير الكبير" 6/ 8.
(¬4) "معاني القرآن" للزجاج 1/ 282، وينظر: "تفسير البغوي" 1/ 242، "المحرر الوجيز" 2/ 204، "زاد المسير" 1/ 228، "التفسير الكبير" 6/ 8.
(¬5) من قوله: قال الزجاج ساقط من (أ) و (م).