كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 4)

قال ابن الأنباري: (أم) استفهام متوسط، لا يكون إلا بعد كلام، جعلوا للمتوسط لفظًا يخالف لفظ السابق، فكان للسابق (هل) وأخواتها، وللمتوسط (أم) يدل على صحة هذا قوله عز وجل: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [السجدة: 1 - 3]، أتى بـ (أم) وسطًا، فجعلها استفهامًا، ولم يَرْدُدْهَا على استفهام متقدم، ومن هذا قول الأخطل:
كَذَبَتْكَ عينُكَ أم رأيتَ بواسِطٍ ... غَلَسَ الظلامِ من الرباب خَيَالا (¬1)
وقال قوم: (أم) هاهنا بمعنى (بل) (¬2) وذلك لا يحسن إلا إذا تقدمه استفهام، كقولك: إنها لإبل أم شاء يا فتى، وكما قيل في بيت الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت ............... البيت.
وقد استقصينا الكلام في (أم) عند قوله: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا} [البقرة: 108] الآية.
وقال بعضهم: أم هاهنا عطفٌ على استفهام متقدم محذوف، تقديره: أعلمتم أن الجنة حفت (¬3) بالمكاره، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير بلاء ولا مكروه؟ والكلام ما ذكره الفراء وابن الأنباري (¬4).
¬__________
(¬1) البيت في "ديوانه" ص 385 "المعجم المفصل" 6/ 79.
(¬2) "معاني القرآن" للزجاج 1/ 285، "تفسير الثعلبي" 2/ 728.
(¬3) في (أ) (تحف).
(¬4) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 285، "التبيان" ص 131، واختارا أنها منقطعة، وفي "البحر المحيط" 2/ 139 ذكر أبو حيان في (أم) هنا أربعة أقوال: الأول: أنها منقطعة بمعنى بل والهمزة. والثاني: أنها متصلة على إضمار جملة قبلها. والثالث: الاستفهام بمعنى الهمزة. والرابع: الإضراب بمعنى بل، قال: والصحيح هو القول الأول.

الصفحة 117