كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 4)

فاعل، ولا يخلو (عسى) إما أن يكون لازمًا أو متعديًا، فلو كان لازمًا لجاز أن تقول: عسى زيد، وتقف، فلما لم يكن ذلك كاملًا اقتضت (عسى) مفعولًا، فإذا قلت: عسى زيدٌ أن يقوم، فقولك: أن يقوم، مثل قولك: قيام كقوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] المعنى: والصيام خير لكم، فتأويل قولك: عسى زيد أن يقوم، عسى قيام زيد، بمعنى قَرُبَ قيام زيدٍ ورُجِي ذلك، إلا أنهم لما قلبوا فقدموا الاسم وأخَّروا الفعلَ رفعوا زيدًا، فـ (أن يقوم) في قولك: عسى زيد أن يقوم، في موضع نصب بوقوع فعل زيد (عليه) (¬1)، وجاء في القرآن بدخول أن كقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء: 8]. {عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72]، ولما كثرت عند العرب في ألفاظهم أسقطوا (أن) (¬2) كما قال الشاعر:
عَسَى فَرَجٌ يأتي به اللهُ إنه ... له كلّ يَوْمٍ في خَلِيقَتِهِ أمْرُ (¬3)
¬__________
(¬1) في (ي) (وعليه).
(¬2) ينظر في عسى وأحكامها: "الكتاب" لسيبويه 3/ 11، 12، 158، 4/ 233، "المقتضب" 3/ 68 - 72، "تهذيب اللغة" 3/ 2428، "المفردات" 338 ص، "عمدة الحفاظ" 3/ 92، "اللسان" 5/ 295، "مغني اللبيب" ص 201 - 204، وقال: ومعناه: الترجي في المحبوب، والإشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}، ثم ذكر أنها تستعمل على سبعة أوجه. وقال في "البحر المحيط" 2/ 143: عسى هنا للإشفاق لا للترجي، ومجيئها للإشفاق قليل، وهي هنا تامة لا تحتاج إلى خبر، ولو كانت ناقصة لكانت مثل قوله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا} [محمد: 22] فقوله: {أَن تَكرَهُوا} في موضع رفع بعسى.
(¬3) البيت لمحمد بن إسماعيل، ينظر: "همع الهوامع" 1/ 131. "المعجم المفصل" 3/ 301.

الصفحة 135