كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 4)

وقوله تعالى: {أَوْ نُسُكٍ} جمعُ نسيكة، وهي الذبيحة يَنْسُكُها لله عز وجل، أي: يذبحها (¬1)، ويجمع أيضا: نسائك، وأصل النسك: العبادة. والناسك: العابد. قال ابن الأعرابي: النسك سبائك الفضة. كل سبيكة منها نسيكة، وقيل للمتعبد: ناسك؛ لأنه خَلَّص نفسه من دنس الآثام وصفّاها، كالسبيكة المخلَّصَة من الخَبَث (¬2). هذا أصل معنى النسك. ثم قيل للذبيحة نسك؛ لأنها من أشرف العبادات التي يُتَقرَّب بها إلى الله (¬3).
قال العلماء أعلاها: بدنة، وأوسطها: بقرة، وأدناها: شاة. وهو مخير بينهما؛ لأن النسك وقع على هذه الأجناس (¬4). والصحيح: أنه يأتي بالإطعام والنسك أي موضع شاء، لأن الله تعالى أطلق في الآية، ولم يخص مكانًا دون مكانٍ (¬5).
¬__________
(¬1) في (م) بذبحها.
(¬2) نقله عن ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" 4/ 3562.
(¬3) ينظر في معنى النسك: "تهذيب اللغة" 4/ 3562 - 3563، "المفردات" 493، "التفسير الكبير" 5/ 164، "تفسير القرطبي" 2/ 364، "عمدة الحفاظ" 4/ 197.
(¬4) "تفسير الثعلبي" 2/ 507، "تفسير البغوي" 1/ 223، وقال الرازي في "تفسيره" 5/ 164: اتفقوا في النسك على أن أقله شاة لأن النسك لا يتأدى إلا بأحد الأمور الثلاثة: الجمل، والبقرة، والشاة، ولما كان أقلها الشاة، لا جرم كان أقل الواجب في النسك هو الشاة، قال ابن عبد البر: كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرًا فإنما ذكره بشاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء، نقله القرطبي في "تفسيره" 2/ 361. وينظر: "الإجماع في التفسير" ص204.
(¬5) وهذا قول علي وإبراهيم النخعي، وروي عن مجاهد، وهو قول المالكية، واختيار الطبري والثعلبي، وقال الحسن وطاوس وعطاء ومجاهد، وهو قول الشافعي: النسك والإطعام بمكة، والصيام حيث شئت، وعلتهم: قياسه على جزاء الصيد، حيث قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، وإذا كان =

الصفحة 20