كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 4)

ومعنى {لَا تُؤَاخِذْنَا}: لا تُعاقبنا (¬1).
وإنما جاء بلفظ المفاعلة وهو فعل واحد؛ لأن المسيء قد أمكن من نفسه، وطَرّقَ السبيلَ إليها بفعله، وكأنه أعان (¬2) عليه من يُعاقبه بذنبه، ويأخذه به، فشاركه في أخذه (¬3).
وقوله تعالى: {إِنْ نَسِينَا} يجوز أن يكون هذا من النسيان الذي هو ضد الذكر (¬4)، فيكون له تأويلان: أحدهما: ما قاله الكلبي، وهو أن بني إسرائيل كانوا إذا نسوا شيئًا عجلت لهم العقوبة بذلك، فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك (¬5).
والثاني: أن النسيان وإن كان معفوًا عنه في الشرع، فيجوز أن نتعبد (¬6) بأن ندعو بذلك، كما جاء في الدعاء: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] والله سبحانه لا يحكم إلا بالحق، وكما قال: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} [آل عمران: 194] وما وُعدوا به على ألسن الرسل يُؤْتَونه، وكذلك قول الملائكة في دعائهم: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} إلى قوله: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} [غافر:7 - 9].
¬__________
(¬1) "تفسيرالثعلبى" 2/ 1870.
(¬2) في (ي): (أعدل).
(¬3) من "تفسير الثعلبي" 2/ 1870، وينظر: "تفسير الرازي" 7/ 125، "الدر المصون" 2/ 701.
(¬4) وهذا اختيار الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1871.
(¬5) ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1870، والبغوي في "تفسيره" 1/ 357، والحافظ في "العجاب" 1/ 655.
(¬6) في (ي) و (ش): (يتعبد).

الصفحة 535