كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 4)

حجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُق خرج من ذنوبه كيومِ ولدتْه أمه" (¬1).
وذهب بعض المتأولين: إلى أن المراد بوضع الإثم عنه المتعجلُ دون المتأخر، ولكن ذُكرا معًا والمراد أحدُهما، كقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] والجناح على الزوج؛ لأنه أخذ ما أعطى، وقد قال الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] ومثل هذا قوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61]، نسب النسيان إليهما، والناسي أحدُهما، وقوله {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، وإنما يخرج من أحدهما (¬2).
وقوله تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى} قال النحويون: المعنى: ذلك لمن اتقى، أي: طَرْح المآثم عن المتعجل والمتأخر يكون إذا اتَّقَيَا في حَجَّهما تضييع شيء مما حَدَّه الله وأمر به، حتى لا يظن أن من تعجل أو تأخر خرج عن الآثام دون أن يتقي، فيكون قوله: {لِمَنِ اتَّقَى} خبرًا لمبتدأ محذوف (¬3)،
¬__________
= عنه منصور والأعمش، كان ثقة وله أحاديث صالحة، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. ينظر: "تهذيب التهذيب" 4/ 140، "التقريب" ص 246 (2479).
(¬1) أخرجه البخاري (1820) كتاب الحج، باب: قول الله: ولا فسوق ولا جدال في الحج، ومسلم (1350) كتاب الحج، باب: في فضل الحج والعمرة.
(¬2) ينظر في ذكر هذه الأجوبة على هذا الإشكال الذي طرحه الواحدي: "تفسير الطبري" 2/ 305 - 307، "زاد المسير" 2/ 218، "التفسير الكبير" 5/ 210 - 211، "البحر المحيط" 2/ 112.
(¬3) ينظر: "المحرر الوجيز" 2/ 185، "التبيان" ص 126 - 127، وقال في "البحر المحيط" 2/ 112: قيل هو متعلق بقوله: واذكروا الله، أي: الذكر لمن اتقى، وقيل: المعنى: ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقي لئلا يختلج في قلبه شيء منهما فيحسب أن أحدهما آثام في الإقدام عليه،

الصفحة 72