كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 6)
وتأويل قوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، واللهُ تعالى يعلم الشيءَ قبلَ وُجُودهِ، ولا يحتاج إلى سَبَبٍ حَتى يعلم؛ وإنما المعنى: وَلِيَعْلَمَ ذلك واقِعًا منهم.
أي: لِيَقَعَ ما عَلِمَهُ غَيْبًا، مُشَاهَدَةً للناس. والمُجَازاة إنَّمَا تَقَع بِما يعلمه موجودًا كائِنًا، لا (¬1) بِمَا عَلِمَهُ غَيْبًا (¬2). وهذا كقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31]. وقد استقصينا ما في هذا عند قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة: 143].
وقوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} أي: وَلِيُكْرِمَ قَوْمًا بالشَّهَادةِ؛ وذلك أنَّ المسلمين تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوَّ، وأنْ يَكُونَ لهم يومٌ كيوم بَدْر، يقاتِلُوا فيه العَدُوَّ، ويَلْتَمِسُوا الشهادة (¬3).
والشُّهَدَاء: جمع شَهِيد؛ كـ (الكُرَمَاء)، و (الظُّرَفَاء). والمقتول مِنَ المسلمين بِسَيْفِ الكُفَّار، يُسَمَّى: شهيدًا.
واختلفوا فيه: لِمَ سُمِّيَ شهيدًا؟:
فقال النَضْرُ بن شُمَيْل (¬4): الشَّهِيد: الحَيُّ. قال الأزهري (¬5): أراه تَأَؤَّلَ قولَ اللهِ جلَّ وَعَزَّ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ
¬__________
(¬1) (لا): ساقطة من (ج).
(¬2) انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 470 - 471، و"معاني القرآن" للنحاس 1/ 482، و"المحرر الوجيز" 3/ 341، و"البحر المحيط" 3/ 63.
(¬3) من قال ذلك: ابن عباس، ومجاهد، وابن جريج، والضحاك، وقتادة، والربيع، والسدي، وابن إسحاق. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 106 - 107.
(¬4) قوله، في: "تهذيب اللغة" 2/ 1943 (شهد)، و"اللسان" 4/ 2348 (شهد).
(¬5) قوله، في "التهذيب" 2/ 1943 (شهد). نقل أكثر قوله بنصِّه وتصرف قليلًا في آخره.
الصفحة 14