وقال ابن قُتَيبة (¬1): {تُصْعِدُونَ}: تُبْعِدُونَ في الهَزِيمَةِ؛ يقال: أَصعَدَ في الأرض: إذا أَمْعَنَ فيها (¬2) في الذَّهَاب (¬3).
وقوله تعالى: {وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} أي: لا تُعَرِّجُونَ ولا تُقِيمون ولا تَلْتَفِتون هَرَبًا. يقال: (مَضَى ولم يَلْوِ على شيءٍ)؛ أي: لم يُعَرِّجْ. وأصله: أنَّ المُعَرِّجَ على الشيء، يَلْوِي إليه عُنُقَهُ، أو عِنَانَ (¬4) دابَّتِهِ. فإذا مضى، ولمْ يُعَرِّج، قيل: (لم يَلْوِ). ثم استُعْمِلَ في تَرْكِ التَّعْرِيج على الشيء.
فإن قيل: أليس اللهُ قد أخبَرَ أنَّه عَفَا عنهم -إذْ هُزِمُوا-، فكيف ذلك العَفْو، مع ما ابتلاهم به مِنَ القَتْلِ والجَرْح، وإدَالَةِ العَدُوِّ عليهم؟.
قيل: لولا عَفْوُ اللهِ، ما نَجَا منهم أحدٌ (¬5)، ولَصَارُوا في الآخرةِ من الخاسرين؛ حين عَصَوا رسولَهُ في تَرْكِ المَرْكَزِ والهزيمة، وهو يناديهم مِن وَرَائِهم: (إلَيَّ عِبَادَ اللهِ! إلَيَّ عِبَادَ الله!) وهم لا يَلْتَفِتُون إليهِ. وذلك قوله:
¬__________
(¬1) في "تفسير غريب القرآن" له 114، وانظر: "أدب الكاتب" له 278.
(¬2) (فيها): ليست في (ج)، ولا في "تفسير غريب القرآن".
(¬3) وبقية عبارة ابن قتيبة: (وصعِد الجبل والسطح).
قال الطبري: (قالوا: فالهرب في مستوى الأرض، وبطون الأودية والشِّعاب: (إصعاد) لا صعود. قالوا: وإنما يكون (الصُّعُود) على الجبال والسلاليم والدَّرج؛ لأن معنى (الصعود): الارتقاء، والارتفاع على الشيء عُلُوًّا). "تفسيره" 4/ 132 - 133. وانظر: "مجاز القرآن" 1/ 105، و"الأضداد" لابن الأنباري 315.
ونقل الثعلبي عن المفضل، أن: (صَعِد، وأصْعَدَ، وصَعَدَ، بمعنى واحد). "تفسير الثعلبي" 2/ 132 ب.
وكذا فسر ابنُ اليزيدي (الإصعاد) بالصعود على الجبل. انظر: "غريب القرآن" لابن اليزيدي 44.
(¬4) (أ)، (ب): (عيْنان). والمُثبت من (ج).
(¬5) في (ج): (أحدا).