كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 7)

يكتم شيئًا مما أوحي إليه، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: "من زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئًا من الوحي، فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} ولو كتم رسول الله شيئاً من الوحي لكتم قوله تعالى: {وَتُخْفِي في نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] " (¬1).
قال مقاتل بن حبان: هذا تحريض من الله نبيه على تبليغ الرسالة (¬2).
وقال مجاهد: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} قال: "يا رب كيف أصنع؟ أنا واحد، أخاف أن يجتمعوا علي" فأنزل الله: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (¬3).
فكل هذه الأقوال في تفسير هذه الآية تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشفق على نفسه غائلة اليهود والكفار، فكان لا يجاهرهم بعيب دينهم وسب آلهتهم، حتى أمنه الله تعالى بقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، واختلفوا في قوله: {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} فقرىء (رسالته) (¬4) على (¬5) واحدة، و (رسالاته) على الجمع (¬6)، فمن جمع قال: إن الرسل يبعثون بضروب من الرسالات وأحكام في الشريعة مختلفة، وكل آية أنزلها (¬7) الله على رسوله
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (4612) كتاب التفسير، باب: يا أيها الرسول بلغ، بنحوه، وبلفظه مسلم (177) كتاب الإيمان: باب 77 معنى قول الله عز وجل {ولقد رآه نزلة أخرى}، ولكن دون: "ولو كنتم ... "، "تفسير الطبري" 6/ 309.
(¬2) بمعناه في تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 492.
(¬3) أخرجه الطبري 6/ 307.
(¬4) قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي "ابن كثير" وحفص عن عاصم. انظر: "الحجة" 3/ 239.
(¬5) تكرر هذا الحرف في (ج).
(¬6) قراءة نافع وابن عامر وأبي بكر عن عاصم. انظر: "الحجة" 3/ 239.
(¬7) في (ج): (أنزله) بالتذكير.

الصفحة 469