كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 7)

فهذا جمع، ويقال: كيف مدحهم الله عز وجل بأن منهم قسيسين ورهبَانًا وليس هذان من أمور المسلمين، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهما فقال: "إني لا آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهبانًا" (¬1)؟، والجواب عن هذا ما ذكره أبو بكر محمد بن القاسم (¬2) رحمه الله فقال: إنما مدحهم الله تعالى بالتمسك بدين عيسى، وبأنهم استعملوا في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ما أخذ عليهم في التوراة والإنجيل، وكانت الرهبانية مستحسنة في دينهم، ولذلك كانوا يسمون الرئيس في دينهم قسًا وقسيسًا، فذكر الله تبارك وتعالى أسماءهم وألقابهم على سبيل ما يُعرف لهم، ومدح منهم تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، فكان تأويل قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا}، ذلك بأن منهم عليما أوصاه عيسى عليه السلام، الدليل على هذا قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} فلما دخلوا في الإِسلام [...] (¬4) ما كان قبله وألزمهم الأخذ بما يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفض ما كانوا يستعلمونه في شريعتهم.
وقوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} أي عن اتباع الحق والإذعان به كما يستكبر اليهود وعبدة الأوثان) (¬5) (¬6).
¬__________
(¬1) أخرجه الطبري 7/ 9 بسنده عن أبي عبد الرحمن (وقد يكون ابن مسعود). وقد أخرج الإِمام أحمد في مسنده 6/ 226 من حديث عائشة في قصة عثمان بن مظعون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا"، والدارمي في كتاب النكاح/ باب 3 النهي عن التبتل 3/ 1386 - 1387 برقم (2215) من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: (يا عثمان إني لم أومر بالرهبانية).
(¬2) ابن الأنباري.
(¬3) انظر: "الوسيط" 2/ 217، "زاد المسير" 2/ 408، 409.
(¬4) بياض في (ش) بمقدار كلمة.
(¬5) "تفسير الطبري" 7/ 4، و"زاد المسير" 2/ 409.
(¬6) إلى هنا نهاية السقط الذي سبقت الإشارة إلى بدايته من نسخة (ج).

الصفحة 496