كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 7)

وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} ذكر النحويون في محل {مَنْ} وجوها، تلك الوجوه مبنية على معنى النجوى في هذه الآية، فإن جعلنا معنى النجوى ههنا السر فيجوز أن تكون {مَنْ} في موضع النصب، لأنه استثناء الشيء من خلافه، فيكون نصبًا كقوله: إلا أواري (¬1).
ويجوز أن يكون رفعًا في لغة من يرفع المستثنى من غير الجنس (¬2) كقوله:
إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ (¬3)
وأبو عبيدة جعل هذا من باب حذف المضاف، فقال: التقدير: إلا في نجوى من أمر بصدقة، ثم حذف المضاف (¬4).
وعلى هذا التقدير يكون من في محل النجوى، لأنه أقيم مقامه، ويجوز فيه وجهان: أحدهما: أن الخفض بدلًا من نجواهم، كما تقول:
¬__________
(¬1) من بيت للنابغة الذبياني يقول فيه:
"وقفت فيها أصيلًا لا أسائلها ... عيت جوابًا وما بالربع من أحد
إلا الأواريَّ لأيًا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد"
"الكتاب" 2/ 321، و"معاني القرآن" للفراء 1/ 288، والطبري 5/ 276 - 277، و"أشعار الستة الجاهلين" 1/ 188.
والأواري جمع: آري، وهو محبس الدابة ومعلفها.
(¬2) انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 288، والطبري 5/ 277، و"معاني الزجاج" 2/ 106.
(¬3) عجز بيت لجران العود النميري، وصدره: "وبلدة ليس بها أنيس".
"الكتاب" 2/ 322، و "معاني الفراء" 1/ 288، والطبري 5/ 277.
واليعافير: جمع يعفور وهو ولد الظبية، والعيس: بقر الوحش.
(¬4) لعل المقصود أن هذا رأي الزجاج، حيث وجدت نحوه في "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 106، ولم أجد "مجاز القرآن" لأبي عبيدة شيئًا من ذلك.

الصفحة 87