كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 8)
نعطكم) (¬1). يعني: وسعنا عليهم في كثرة العبيد والمال والثمار والأنعام. ومعنى التمكين (¬2) من الشيء: إعطاء ما يصح به الفعل من الآلات والعدد والقوى، وهو أتم من الإقدار؛ لأن الإقدار: إعطاء القدرة خاصة، والقادر على الشيء قد يتعذر عليه الفعل بعدم الآلة، والتمكن ينافي التعذر (¬3) والانتقال من الخبر إلى الخطاب من الاتساع والتصرف في (¬4) الكلام، كما تقول: قلت لعبد الله -وقد كان شكره زيد-: ما أكرمك، أي: واجهته بهذا الخطاب، وإن شئت قلت: ما أكرمه، على الإخبار (¬5).
وقوله تعالى: {مَكَّنَّاهُمْ} ثم قال: {مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} ولم يقل: نمكنكم، وهما لغتان، تقول العرب: مكنته ومكنت له، كما تقول: نصحته ونصحت له. قال صاحب "النظم": (العرب تتسع في الأفعال التي تتعدى
¬__________
(¬1) ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 10، وابن الجوزي 3/ 6.
(¬2) انظر: "الجمهرة" 2/ 983، و"تهذيب اللغة" 4/ 3436، و"الصحاح" 6/ 2205، و"المجمل" 3/ 837، و"المفردات" ص 773، و"اللسان" 7/ 4250 (مكن).
(¬3) هذا قول أبي هلال العسكري في "الفروق اللغوية" ص 90، وانظر: "البحر" 4/ 66.
(¬4) قال بعض أهل التفسير: في الآية رجوع من الغيبة في قوله: {أَلَمْ يَرَوْا} إلى الخطاب في قوله {لَكُمْ} للاتساع وتلوين الخطاب، قال السمين في "الدر المصون" 4/ 538: (فيكون على هذا التفاتًا فائدته التعريض بقلة تمكن هؤلاء ونقص أحوالهم عن حال أولئك، ومع تمكينهم وكثرتهم فقد حل بهم الهلاك، فكيف وأنتم أقل منهم تمكينا وعددًا) ا. هـ وانظر: "معاني الأخفش" 2/ 269، و"إعراب النحاس" 1/ 536، و"غرائب التفسير" للكرماني 1/ 352، و"تفسير البغوي" 3/ 128، وابن الجوزي 3/ 6، و"تفسير القرطبي" 6/ 391.
(¬5) أي يجوز. قلت لزيد: ما أكرمك أو ما أكرمه. انظر: "تفسير الطبري" 7/ 149، وابن عطية 5/ 130، و"البحر" 4/ 75.
الصفحة 19
566