كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 8)

{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ} تعود على الأكابر (¬1) الذين جرى ذكرهم، فعلى هذا أراد القوم أن تكون لهم النبوة والرسالة كما كانت لمحمد عليه السلام.
وقال ابن عباس: ({وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ} يريد: من علم الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه مما يخبرهم به {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ} لن نصدق {حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} يريد: حتى يوحي إلينا ويأتينا جبريل فنصدق) (¬2)، وعلى هذا: القوم لم يريدوا النبوة وإنما طلبوا أن تخبرهم الملائكة بصدق محمد كما قالوا: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء: 92]، وكما قالوا: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8]. والأول أقوى (¬3) لقوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} يعني: أنهم ليسوا لها بأهل، وعلى قول ابن عباس يتوجه هذا على أن (¬4) من أرسل إليه الملك وكلمه عيانًا حصلت له منزلة الرسل ومرتبة الأنبياء، وليسوا هم لهذا بأهل.
ومعنى قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} هو أعلم بمن يختص بالرسالة، قال أبو علي: (لا يجوز أن يكون العامل في {حَيْثُ} {أَعْلَمُ} هذه الظاهرة، ولا يجوز أن يكون {حَيْثُ} ظرفًا؛ لأنه يصير التقدير: الله أعلم في هذا الموضع، ولا يوصف الله سبحانه بأنه أعلم في مواضع أو أوقات؛ لأنه علمه لا يختلف بالزمان والمكان، فإذا كان كذلك
¬__________
= والرازي 13/ 143.
(¬1) انظر: "معاني الزجاج" 2/ 288 - 289، و"تفسير الرازي" 13/ 175.
(¬2) "تنوير المقباس" 2/ 58، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 114، وابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 118، والرازي 13/ 175، والخازن 2/ 180.
(¬3) وهو اختيار القرطبي في "تفسيره" 7/ 80، وقال الرازي في "تفسيره" 13/ 176: (القول الأول هو المشهور، وقال المحققون: هو أقوى وأولى) اهـ. ملخصًا.
(¬4) لفظ: (أن) ساقط من (أ).

الصفحة 413