كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 8)

اتفق الجن مع الإنس في باب التمييز، فلما ذكرا (¬1) معًا جاز مخاطبتهما بما ينصرف إلى واحد.
وهذا قول الفراء (¬2)، والزجاج (¬3) ومذهب أكثر أهل (¬4) العلم، وعليه دل كلام ابن عباس؛ لأنه قال: (يريد: أنبياء من جنسكم ولم يكن من جنس الجن أنبياء (¬5) وإذا لم يكن من الجن أنبياء (¬6) ورسل، فكيف قال لهم مع الإنس: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ}؟ قال الكلبي: (كانت الرسل يبعثون إلى الجن والإنس) (¬7)، فعلى هذا قد بعث الرسل إلى الجن، ولكن لم تكن (¬8) الرسل من الجن، وتأويل (منكم) ما ذكرنا.
وقال آخرون: (الرسل كانت من الإنس، ولكن الله تعالى كان يسبّب قومًا من الجن ليسمعوا كلام الرسل، ويأتوا قومهم من الجن بما سمعوا وينذرونهم، كما قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] وهذا مذهب مجاهد قال: (الرسل من الإنس والنذر
¬__________
(¬1) في (ش): (فلما ذكر معًا)، وهو تحريف.
(¬2) "معاني الفراء" 1/ 354، وانظر: "معاني النحاس" 2/ 492.
(¬3) "معاني الزجاج" 2/ 292، وكلام الواحدي أقرب إلى نص الزجاج.
(¬4) ذكر الخازن في "تفسيره" 2/ 184: (أن هذا مذهب جمهور أهل العلم). وانظر: "تفسير الطبري" 12/ 12، والماوردي 2/ 170، وذكره عن الواحدي الرازي في "تفسيره" 13/ 195.
(¬5) ذكره الخازن في "تفسيره" 2/ 184 عن الواحدي عن ابن عباس.
(¬6) لفظ: (أنبياء) ساقط من (أ).
(¬7) "تنوير المقباس" 2/ 61، وذكره الثعلبي في "الكشف" 184 أ، والبغوي في "تفسيره" 3/ 190.
(¬8) في (ش): (لم يكن).

الصفحة 443