كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 8)

ولا يأكلون من ذلك كله شيئًا، فما سقط مما جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه، وقالوا: إن الله غني عن هذا، وإن سقط مما جعلوه للأوثان في نصيب الله التقطوه وردّوه إلى نصيب الصنم، وقالوا: إنه فقير. فذلك قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ}). قال ابن عباس: (خلق، {مِنَ الْحَرْثِ} قال: يريد التمر والقمح، وجميع ما يؤكل، (الأنعام) يريد: الضأن والماعز والإبل والبقر، {نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} يريد: بكذبهم) (¬1).
وقد ذكرنا تفسير الزُّعم (¬2) والزَّعم في سورة النساء [: 60].
فإن قيل: أليس جميع الأشياء لله فكيف نسبوا إلى الكذب في قولهم: {هَذَا لِلَّهِ}؟ قلنا: إفرازهم النصيبين نصيبًا لله، ونصيبًا للشيطان، وحكمهم بذلك كذب منهم (¬3) لم يأمر الله تعالى به، وهم كانوا يفعلون ذلك تدينًا وتعبدًا واعتقادًا أن ذلك أمر به (¬4) الله تعالى وأنه يرضى به (¬5)، قال الزجاج: (وتقدير الكلام: جعلوا لله نصيبًا ولشركائهم نصيبًا، ودل على هذا المحذوف تفصيله القسمين فيما بعد، وهو قوله: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا}) (¬6)، وجعل الأوثان شركاءهم؛ لأنهم جعلوا لها نصيبًا من أموالهم ينفقونها عليها فشاركوها في مالهم (¬7).
¬__________
(¬1) "تنوير المقباس" 2/ 63، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 123.
(¬2) يعني: بضم الزاي وفتحها. انظر: "اللسان" 3/ 1834 (زعم).
(¬3) لفظ: (منهم) ساقط من (ش).
(¬4) في (أ): (ذلك أمره لله تعالى فإنه يرضى به).
(¬5) انظر: "تفسير الرازي" 13/ 204.
(¬6) هذا قول النحاس في "معانيه" 2/ 494، وذكره عن الزجاج الرازي في "تفسيره" 13/ 204، ولم أقف عليه في "معاني الزجاج".
(¬7) انظر: "إعراب النحاس" 1/ 581، و"تفسير الرازي" 13/ 204.

الصفحة 454