القول الثاني: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} أي: على الذي أحسنه موسى من طاعة الله جل وعز واتباع أمره، أو على الذي أحسنه موسى من العلم، وكتب الله القديمة، فيكون (أحسن) بمعنى: علم، والتأويل {آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا} على ما أحسن من العلم والحكمة، وكتب الله المتقدمة، وأراد بقوله: (تمامًا) على ذلك، أي: زيادة على ذلك، والقولان ذكرهما الفراء (¬1) والزجاج (¬2) وأبو بكر (¬3) وأبو محمد بن قتيبة (¬4).
قال الزجاج: (و (تمامًا) منصوب على مفعول له وكذلك {وَتَفْصِيلًا} المعنى: آتيناه لهذه العلة أي: للتمام والتفصيل) (¬5)، والمفسرون (¬6) على هذين القولين، فالقول الأول قول مجاهد والحسن، قال مجاهد: (تمامًا
¬__________
(¬1) "معاني الفراء" 1/ 365 وقدم الوجه الأول.
(¬2) "معاني الزجاج" 2/ 305 - 306.
(¬3) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 154، عن أبي بكر بن الأنباري.
(¬4) "تأويل مشكل القرآن" ص 397 - 398، تقرير الواحدي من نصه، وانظر: "تفسير الطبري" 8/ 90، و"إعراب النحاس" 1/ 593، و"المشكل" لمكي 1/ 278، وذكر أبو علي الفارسي في "العضديات" 169 - 171 ثلاثة أوجه في الآية، قال: (ووجه ثالث وهو أبينها وأوضحها , ولا يختلف في جوازه على ذلك، وهو أن يكون المعنى: تمامًا على الذي أحسنه، فيكون في (أحسن) ذكر يعود على (موسى)، وتكون الهاء العائدة إلى الموصول محذوفة من الصلة، كأنه: على الأمر الذي أحسنه موسى، ومعنى (أحسن) أن يكون على ضربين أحدهما: أن يكون أحسنه بمنزلة حسنه، أي: حسنه لهم عند دعاء قومه إليه، وإقامته لهم البراهين والحجج عليه. والوجه الآخر: أن يكون (أحسن) بمنزلة علم، كأنه: تمامًا على الأمر الذي علمه ..) ا. هـ ملخصًا، وانظر: الدر المصون 5/ 227.
(¬5) معاني الزجاج 2/ 306، وانظر المراجع السابقة.
(¬6) انظر: "تفسير الطبري" 8/ 90 - 91، و"معاني النحاس" 2/ 519 و"تفسير السمرقندي" 1/ 525.