كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 9)
وقوله تعالى: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا}، هذه اللام تسمى لام العاقبة (¬1)؛ وذلك أن الشيطان لم يقصد بالوسوسة بدو عورتهما، ولم يعلم أنهما إن أكلا من الشجرة بدت عوراتهما، وإنما كان قصده أن يحملهما على المعصية فقط، فلما بدت عوراتهما وكان ذلك بسبب معصيتهما جاز أن يقال: فعل ذلك لذلك (¬2) كما قال تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8].
20 - قوله تعالى: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} أي: ما ستر؛ من المُواراة يقال: وَاريته فأنا أوَاريه أي: سترته، ويقال: وَارَيْت الميت في التراب أي: دفنته (¬3)، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي -رضي الله عنه- لما أخبره بوفاة أبيه (¬4) قال: (اذهب فوارِه) (¬5) قال الشاعر:
¬__________
(¬1) وهي التي يسميها الكوفيون (لام الصيرورة). انظر كتاب "اللامات" للزجاجي ص 119، ولمحمد الهروي ص 182.
(¬2) هذا قول الجمهور أنها للعاقبة والصيرورة، ورجح أبو حيان في "البحر" 4/ 278، والسمين في "الدر" 5/ 276، وهو الظاهر أنها لام العلة الباعثة على أصلها؛ لأن قصد الشيطان ذلك وهو يعلم ذلك بالإلهام أو بالنظر فهو وسوس لهما لغرض إيقاعهما في المعصية ابتداء ولغرض الإضرار بهما؛ لأن طبعه عداوة البشر، وانظر: "تفسير ابن عطية" 5/ 457، وابن عاشور 8/ 57.
(¬3) انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3880، و"الصحاح" 6/ 2523، و"المفردات" ص 866، و"اللسان" 8/ 4823 (ورى).
(¬4) في (ب): (ابنه)، وهو تصحيف.
(¬5) الحديث أخرجه أحمد في "المسند" 2/ 112، 136، وأبو داود (3214) كتاب الجنائز، باب: الرجل يموت له قرابة مشرك، والنسائي في الطهارة، باب: الغسل من مواراة المشرك 1/ 111، وفي الجنائز 4/ 79، باب مواراة المشرك عن علي رضي الله عنه أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن أبا طالب مات قال: "اذهب فواره" قال: إنه مات مشركًا. فقال: "اذهب فواره" فلما واريته رجعت إليه فقال لي: "اغتسل" =
الصفحة 62
576