قال: والأصل في هذا: قول الله عز وجل: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261]، وقال عليه السلام "الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة" (¬1) فلما ذكر الله تعالى ورسوله هذا العدد في موضع التضعيف صار أصلاً فيه، فقوله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} من باب التكثير والتضعيف لا من باب حصر العدد، ولم يرد الله أنه (¬2) إن زاد على السبعين غفر لهم، ولكن المعنى: إن استكثرت من الدعاء بالاستغفار للمنافقين لم يغفر الله لهم (¬3).
هذا الذي ذكرنا في هذه الآية مذهب أهل اللغة وأصحاب المعاني (¬4)، وأما المفسرون فإنهم أجروا الآية على ظاهرها، فقالوا: إن قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} تخيير، وقوله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} حصر بهذا العدد (¬5)، ورووا في هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يوافق هذا
¬__________
(¬1) رواه البخاري (41، 42)، كتاب: الإيمان، باب: حسن إسلام المرء، ومسلم (164)، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، والنسائي في "سننه"، كتاب: الإيمان، باب: حسن إسلام المرء 8/ 105، وابن ماجه (1638)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في فضل الصيام، وأحمد في "المسند" 1/ 446.
(¬2) ساقط من (ى) و (م).
(¬3) اهـ. كلام الأزهري، انظر: "تهذيب اللغة" (سبع) 2/ 1617.
(¬4) انظر: "تهذيب اللغة" (سبع) 2/ 1617، و"لسان العرب" (سبع) 3/ 1924.
(¬5) نسبة المؤلف هذا القول للمفسرين على وجه العموم فيه نظر، إذ هم فريقان في هذه المسألة، فبعضهم ذهب إليه، وقد ذكر القرطبي بعضهم في "تفسيره" 8/ 220 حيث قال. (وقالت طائفة - منهم الحسن وقتادة وعروة: إن شئت استغفر لهم، وإن شئت لا تستغفر) اهـ. واعتمد هذا القول السمرقندي في "تفسيره" 2/ 65، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 515، وابن عطية في "المحرر الوجيز" 6/ 580، وابن العربي في "أحكام القرآن" 2/ 990 ولم تذكر كتب الرواية كـ"تفسير ابن جرير" وابن أبي حاتم =