كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 12)

وقال آخر (¬1):
يا أبتا ويا أبه ... خَشَنْتَ إلا الرقبة
فلما كثرت هذه الكلمة في كلامهم هذه الكثرة ألزموها القلب والحذف، على أن أبا عثمان قَدّر (¬2) هذا مطردًا في جميع هذا الباب، فأجازوا وضع الألف مكان الياء في الإضافة في النداء إجازة مطردة، فأجاز: يا زيدًا أقبل، إذا أردت الإضافة، وهذا الوجه الثاني في فتح التاء من (يا أبت) هو اختيار الزجاج (¬3) وهو مذهب البصريين.
قال ابن الأنباري: وهذا غلط؛ لأن مبناه على لغة شاذة، وهو على لغة مَنْ يقول: قام غلاما، وهذا ثوبَا، يعني غلامي وثوبي، وكقراءة من قرأ: (وأقم الصلاة لذكرا) (¬4) أي لذكري، ولا يحمل كتاب الله على هذه اللغة، والعلة في فتح التاء أنهم أرادوا: (يا أبتاه) فأسقطوا الألف والهاء، وأقروا ما قبلها على الفتح، اختصاصًا لما أكثروا استعمال (¬5) الحرف، وهذا أيضًا قول قطرب، وأنكر البصريون هذا، قال الزجاج (يا أبتاه) للندبه، والندبة هاهنا لا معنى لها، وقال أبو عثمان: من قال: يا أبتاه، فهو نداء على جهة الندبة، فإذا حذفت الألف والهاء صار نداءً على غير جهة الندبة فلا يجوز فتح التاء، وذكر قطرب قولًا آخر في فتح التاء وهو أنه قال: أراد يا أبةً، ثم حذف التنوين كما قال الطرماح:
¬__________
(¬1) الرجز لجارية من العرب تخاطب أباها، و"جمهرة اللغة" 1/ 176، و"مقاييس اللغة" 2/ 27، و"اللسان" 1/ 533.
(¬2) في "الحجة" 4/ 392 (قد رأى أن ذلك مطردًا).
(¬3) "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 89.
(¬4) طه: 14.
(¬5) في (ب): (الاستعمال).

الصفحة 15