وقد ذكرنا القصة (¬1)، فقال الله له: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يعنى المدينة، {وَأَخْرِجْنِي}: (منها إلى مكة) (¬2)، {مُخْرَجَ صِدْقٍ}، أي: افتحها، واختار الفراء هذا القول (¬3).
وقال مجاهد: أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة مُدْخل صدق، وأخرجني منه مُخْرج صدق (¬4)، ومُدخل بضم الميم مصدر الإدخال؛ يقال: أدخلته مُدخلاً، كما قال: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} [المؤمنون: 29]، ومعنى إضافة المدخل والمخرج إلى الصدق: مزجهما؛ كأنه سأل الله تعالى إدخالًا حسنًا لا يرى فيه ما يكره، وكذلك الإخراج.
قال الليث: يقال: هذا رجل صدق، مضافٌ، بكسر الصاد، معناه: نِعْم الرجل هو، وامرأة صدق؛ كذلك (¬5).
وذكرنا فيما تقدم أن موضوع (ص د ق) للصحة والكمال، فكأنه سأل الله أن يخرجه من مكة إخراجًا لا يلتفت إليها قلبُه، ويدخله المدينة إدخالًا يطمئن فيها قلبُه، ولذلك كان يدعو فيقول: "اللهم حبب إلينا المدينة كلما حببت إلينا مكة" (¬6)، وكل شيء أضفت إلى الصدق، فقد مدحته وجودته.
¬__________
(¬1) عند آية [76].
(¬2) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(¬3) "معاني القرآن" للفراء 2/ 129، وهو ما رجحه "الطبري" 15/ 150 وأيّده بالسياق.
(¬4) "تفسير مجاهد" ص 441، بنحوه، أخرجه "الطبري" 15/ 149، بنحوه من طريقين، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 186 بمعناه، و"تفسير السمرقندي" 2/ 281، بنحوه، و"الثعلبي" 7/ 118 ب، بنصه، و"الماوردي" 3/ 266، بنحوه.
(¬5) ورد في "تهذيب اللغة" (صدق) 2/ 1990، بنصه.
(¬6) أخرجه أحمد 6/ 56، والبخاري (1889): فضائل المدينة، كراهية النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تُعْرَى المدينة، ومسلم (1376): الحج، الترغيب في سكنى المدينة واللفظ له, =