وروي عن ابن عباس أنه قال: (يستثني الرجل في يمينه متى ما ذكر، وإن تطاول الزمان، وقرأ هذه الآية) (¬1). وهذا لا يصح؛ لأن سبيل الاستثناء أن لا يكون منفردًا بنفسه، هو مضمر كلام غيره، والآية وردت في غير اليمين، وليس في الآية: ولا تحلفن على شيء إني فاعل ذلك غدًا، يدل على هذا سبب نزول الآية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما سألوه عن قصة أصحاب الكهف قال: غدًا أخبركم، ولم يحلف على ذلك، ويؤكد هذا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حلف على يمين ورأى غيرها خيرًا منه، فليأتِ الذي هو خير ويُكَفّر عن يمينه" (¬2).
ولو كان يخرج بقوله: إن شاء الله عن الحنث، لقال: وليقل: إن شاء الله، وأيضًا فإن الإنسان إذا حلف من غير نية [فقد تمت يمينه واستقرت،
¬__________
= الاستثناء لا يصح إلا مقترنًا بالمستثنى منه، وأن الاستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين، ولو كان الاستثناء المتأخر يصح لما علم في الدنيا أنه تقرر عقد ولا يمين ولا غير ذلك، لاحتمال طرو الاستثناء بعد ذلك. وانظر: "روضة الطالبين" 11/ 4، و"بداية المجتهد" 8/ 406، و"أحكام القرآن" للكيا الهراس 4/ 207، و"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 273، و"المغني" لابن قدامة 13/ 484.
(¬1) ذكرت نحوه كتب التفسير. انظر: "جامع البيان" 15/ 229، و"الكشف والبيان" 3/ 389 أ، و"المحرر الوجيز" 9/ 278، و"معالم التنزيل" 5/ 162، و"زاد المسير" 5/ 129، و"ابن كثير" 3/ 89.
(¬2) أخرجه البخاري كتاب: الأيمان والنذور، باب: قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] 8/ 229، ومسلم، كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها 3/ 1268، والنسائي كتاب: الأيمان والنذور، باب: الكفارة قبل الحنث 7/ 9، وابن ماجة كتاب: الكفارات، باب: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها 1/ 681 ومالك في "الموطأ" كتاب: الأيمان، باب: ما جاء فيه الكفارة من الأيمان 2/ 478.