غيرُ سائغ؛ لأن (كُنْ) وإن كان على لفظ الأصل فليس القصد به هاهنا الأمر، إنما هو -والله أعلم- الإخبار عن كون الشيء وحدوثه، وإلى هذا ذهب أبو العباس وغيره (¬1)، وقد ذكرنا هذا في سورة البقرة (¬2).
41 - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} الآية. قال الفراء: {وَالَّذِينَ} موضعها رفع (¬3)؛ يريد أن هذا كلام مستأنفٌ لا تعلق له ما قبله، قال المفسرون: نزلت هذه الآية في قوم آذاهم المشركون وعذبوهم بمكة؛ صهيب وبلال وخَبَّاب (¬4)، ومعنى {هَاجَرُوا فِي اللَّهِ}:
¬__________
(¬1) "المقتضب" 2/ 18، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 910، و"الحجة للقراء" 2/ 205، و"مشكل إعراب القرآن" 2/ 14، و"الإملاء" 1/ 60، و"الدر المصون" 2/ 89. وبالإضافة إلى كون (كن) هنا للحكاية لا الأمر، يشترط في جواب الأمر أن يخالف الأمر؛ إما في الفعل، أو في الفاعل، أو فيهما، فلما اتفق الفعلان، والفاعلان واحد، لم يحسن أن يكون (فيكون) جواباً للأول. (المصادر السابقة).
(¬2) "الإغفال" 2/ 153 أ، بنصه.
(¬3) "معاني القرآن" للفراء 2/ 100، بلفظه.
(¬4) ورد بنحوه في "تفسير مقاتل" 1/ 203 أ، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 67، و"تفسير السمرقندي" 2/ 236، عن مقاتل والكلبي، والشعبي 2/ 156 ب، و"تفسير الماوردي" 3/ 189، عن الكلبي، وأورده المؤلف في "أسباب النزول" ص 285، بلا سند، وهذا القول لا يعتد به في أسباب النزول؛ لوروده بلا إسناد، فضلاً عن كونه من رواية الكلبي، وقد أخرجه الطبري 14/ 107 برواية أخرى عن ابن عباس قال: هم قوم هاجروا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل مكة من بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون، وهذه كذلك لا يعتد بها في أسباب النزول؛ لكونها من الصيغ غير الصريحة، ولورودها من طريق العوفي، وهي ضعيفة، وخبَّاب هو: ابن الأرتّ، أبو عبد الله -رضي الله عنه-، سبي في الجاهلية فبيع بمكة، فكان مولى أم أنمار الخزاعية، وقيل غير ذلك، ثم حالف بني زهرة، كان من السابقين في الإسلام، ومن المستضعفين، عذب بمكة عذابًا شديدًا حتى اشتكى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وما بعدها، ونزل الكوفة ومات بها سنة (37 هـ). انظر: "الاستيعاب" 2/ 21، و"أسد الغابة" 2/ 114، و"الإصابة" 1/ 416.