الباء (¬1)؛ فعند الفراء: لا يجوز أن تتعلق بأرسلنا المذكور في الآية الأولى؛ لأن صلة ما قبل إلاَّ لا تتأخر بعد إلاَّ، ولكنّه يقول: تقدير الآية: أرسلناهم بالبينات (¬2)، فالباء تتعلق بأرسلناهم المضمر المدلول عليه بأرسلنا المذكور، قال: ومثله قوله: ما ضرب إلا أخوك زيدًا، وما مرّ إلا أخوك يزيد، تريد ما مرّ إلا أخوك، ثم تقول: مرّ يزيد، فهذا إنما يجوز على كلامين، ولا يجوز أن يكون ما بعد إلاَّ موصولاً بما قبله، ومن هذا الجنس قول الشاعر:
نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بالنّارِ جارَتهَمْ ... وهل يُعذِّبُ إلاّ اللهُ بالنّارِ (¬3)
وقال الكسائي: (إلاّ) في قوله: {إِلَّا رِجَالًا} بمعنى غير؛ كقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، (قال: المعنى لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا) (¬4)، واحتجّ بقول الشاعر (¬5):
أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ ... إلاّ يَدٍ لَيْسَتْ لَها عَضُدُ (¬6)
¬__________
(¬1) أورد السمين في ذلك ثمانية أقوال، انظر: "الدر المصون" 7/ 222، وما بعدها.
(¬2) فيكون تأويل الكلام: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم أرسلناهم بالبينات والزبير وأنزلنا إليك الذكر.
(¬3) ورد غير منسوب في "تفسير الطبري" 14/ 110، و"الإملاء" 2/ 81، فيه: (لا) بدل (هل)، والثعلبي 2/ 157 أ، والطوسي 6/ 385، و"الفريد في إعراب القرآن" 3/ 228، و"الدر المصون" 7/ 222، و"شرح التصريح" 1/ 284، قال الأزهري: فقدم الفاعل المحصور بإلا على المجرور بالباء، وطوى ذكر المفعول، وهل بمعنى ما، وأصل الكلام: ما يعذب أحدٌ أحدًا بالنار إلا الله.
(¬4) ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).
(¬5) هو أوس بن حجر (جاهلي).
(¬6) "ديوانه" ص 21، ووردت اليد الثانية منصوبة (إلا يدًا) وليس في هذه الرواية =