كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 13)

الإنس؛ لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا ما يعقل (¬1).

49 - قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} الآية. قد ذكرنا السجود يكون على نوعين: سجود هو عبادة؛ كسجود المسلمين لله، وسجود هو خضوع واستكانة؛ وهو سجود ما [لا] (¬2) يعقل وسجود الجمادات، فإن هذه الأشياء بما فيها من الدلالة على الحاجة إلى مُدَبَّر وصانع ساجدة؛ أي خاضعة متذللة، وقال: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} لأن (ما) و (من) يتعاقبان، و (ما) أعمّ من (من) ألا ترى أنه قد قال في أخرى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15].
وقوله تعالى: {مِنْ دَابَّةٍ} قال الفراء: دخل (من) هاهنا؛ لأن (ما) مُبْهم، فلو أسقطت (من) لأشبه أن تكون الدابة حالاً لها، فأدخل (من) ليدُلّ (¬3) على أنه تفسير لـ (ما) (¬4)، ومثل هذا كثير في كتاب الله؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} [النساء: 79]، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ} [النساء: 124]، وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [النحل: 48] لم يقل في شيء منه بطرح (مِنْ)؛ لما ذكرنا من أنّ (ما) و (مِنْ) غير مؤقّتتين (¬5)، ومثله قول الشاعر:
¬__________
(¬1) "معاني القرآن" للأخفش 2/ 606، بنصه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 453.
(¬2) إضافة يقتضيها السياق ليستقيم المعنى، ويؤيده ثبوتها في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 400.
(¬3) في (أ)، (د): (البدل)، والمثبت من (ش)، (ع)، وهو الصواب، يستقيم به المعنى، ويؤيده المصدر.
(¬4) في (ش)، (ع): (لها).
(¬5) أي: غير محددتين.

الصفحة 79