دون سجود العبادة، فمعنى لا يستكبرون في صلتهم أنهم يذعنون للخالق والصانع بالتسخير والتذليل وما فيهم من الضرورة إلى صانع فطرهم وخلقهم وأنشأهم ودبَّرهم، ويجوز أن يكون قوله: {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} من صفة الملائكة خاصة (¬1)؛ لأن الآية التي بعد هذا تختص بصفتهم.
50 - قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم} الآية. ذكر أهل العلم وأصحاب المعاني في هذه الآية، قولين (¬2)؛ أحدهما: أن الآية من باب حذف المضاف، على تقدير يخافون عقاب ربهم من فوقهم (¬3)؛ لأن أكثر ما يأتي العقاب المهلك من فوق، سيّمَا والآية في صفة الملائكة، والآخر: أن الله تعالى لما كان موصوفًا بأنه علىٌّ ومتعال علو الرتبة في القدرة، حَسُن أن يقال: {مِنْ فَوْقِهِمْ} ليدل على أنه في أعلى مراتب القادرين (¬4)، وهذا
¬__________
(¬1) ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 203 ب، بنحوه، وهود الهواري 2/ 373، بمعناه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 454، و"الشوكاني" 3/ 238.
(¬2) ورد القولان في "تفسير الماوردي" 3/ 192، بنحوه، والطوسي 6/ 389 بنصه تقريبًا، وانظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 331، وابن عطية 8/ 437، وابن الجوزي 4/ 455، وأبي حيان 5/ 499، و"الدر المصون" 7/ 234.
(¬3) ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 203 ب، بمعناه، والطبري 14/ 117 - 118 بمعناه، والثعلبي 2/ 158، بنحوه، وانظر: "تفسير القرطبي" 10/ 113.
(¬4) ورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 238، بمعناه.
والقولان باطلان؛ لأن فيهما تعطيلًا وتأويلاً؛ فالأول تعطيل ظاهر لصفة الفوقية، والثاني تأويل وصرفٌ لظاهر النص من فوقية العلو إلى فوقية القدرة والعظمة، وهو خلاف مذهب أهل الحق؛ يقول ابن القيم: ومما ادعى المعطلة مجازه: الفوقية، وقد ورد به القرآن؛ كقوله {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}، وحقيقة الفوقية علو ذات الشيء على غيره، فادعى الجهمي أنها مجاز في فوقية الرتبة والقهر، كما يقال الذهب فوق الفضة، والأمير فوق نائبه، وهذا وإن كان ثابتًا للرب تعالى، لكن =