معنى قول أبي إسحاق: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ}: خوف مُجِلِّين (¬1)، ويدل على صحة هذا المعني قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 61]، وقوله إخبارًا عن فرعون: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127]، وقد روى مجاهد عن ابن عباس في قوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} قال: ذاك مخافة الإجلال (¬2)، وذهب بعض الناس إلى أن قوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} من صفة الملائكة (¬3)، والمعنى: أن الملائكة الذين هم فوق بني آدم وفوق ما في الأرض من دابة يخافون الله مع علو رتبتهم، فلأن يخاف من دونهم أولى (¬4).
وقوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} قال المفسرون: يعني الملائكة (¬5)،
¬__________
= إنكار حقيقة فوقيته سبحانه وحملها على المجاز باطل من وجوه عديدة، وقد ذكر سبعة عشر وجهًا. انظر: "مختصر الصواعق المرسلة" ص 355 - 363، و"الفتاوى" 5/ 126.
(¬1) "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 203، بنصه. وقد ردّ الألوسي القول بأن خوفهم ليس إلا خوف إجلال ومهابة لا خوف وعيد وعذاب، بقوله: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء].
(¬2) أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 225، وعزاه للخطيب في تاريخه [لم أقف عليه]، وانظر: "تفسير الرازي" 20/ 44، و"تفسير الألوسي" 14/ 159، وأورداه بصيغة التمريض، وانتصر له الفخر الرازي وردّه الألوسي -كما مرّ في الحاشية السابقة-، وورد بلا نسبة في "تفسير أبي حيان" 5/ 499، وأبي السعود 5/ 119.
(¬3) ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 203 ب، بنحوه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 454، و"تفسير القرطبي" 10/ 113، وأبي حيان 5/ 499.
(¬4) وفي هذا المعنى تكلُّف وصَرْفٌ لِلَّفظ عن ظاهره؛ فالفوقية هنا صفة لله وليس للملائكة.
(¬5) ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 203 ب، بنحوه، و"تفسير الماوردي" 3/ 192، بمعناه, وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 23، وابن الجوزي 4/ 454, و"تفسير القرطبي" 10/ 113, و"الشوكاني" 3/ 238.