كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 13)

فإن قيل كيف جاء {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} مع قوله: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ}؟ [النحل: 74] قيل: لأنه بمعنى الأمثال التي توجب الأشباه، فأما الأمثال التي يضربها الله من غير شَبَه له بخلقه فحقٌّ وصوابٌ؛ لما فيها من الحِكم (¬1).

61 - قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ} قال ابن عباس: يريد المشركين، {بِظُلْمِهِمْ} قال: يريد بافترائهم على الله، {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} قال: يريد من (¬2) مفتر، هذا قوله في رواية عطاء (¬3)، ومعناه: أنه لو عاجلهم بالعقوبة على كفرهم ما أمهلهم طرفة عين ولأخلى وجه الأرض عنهم، والكناية في: {عَلَيْهَا} تعود إلى الأرض ولم يسبق لها ذكر، ولكن ذكر الدابة تدل على الأرض؛ فإنها تَدُبّ عليها، وكثير ما يُكَنّي عن الأرض وإن لم يتقدم ذكرها؛ لأنه لا يُشْكِل، يقولون: ما عليها مثل فلان، وما عليها أكرم من فلان؛ يعنون على الأرض (¬4)، وعلى هذا التفسير الدابة تختص بالمفتري، وقال سائر المفسرين: يعني دواب الأرض؛ روى السدي عن أصحابه في قوله: {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} يقول لأقحط المطر، فلم يبق في الأرض دابة إلا هلكت (¬5)، ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأ هذه
¬__________
(¬1) ورد في "تفسير الطوسي" 6/ 394، بنصه تقريبًا، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 56، و"تفسير القرطبي" 10/ 119.
(¬2) موضع طمس في (ع) وغير واضح.
(¬3) انظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 333، وأبي حيان 5/ 506، وفيهما قال: {مِنْ دَابَّةٍ} أي: من مشرك يدبّ عليها.
(¬4) نقله الفخر الرازي بنصه دون عزو، انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 60.
(¬5) انظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 459، وأبي حيان 5/ 506، وورد في "تفسير مقاتل" 1/ 204 أ، بنحوه غير منسوب.

الصفحة 98