كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 14)

يقول: فقدرت على هؤلاء العذاب أي: لم أقدر عليهم الإيمان، فذلك الذي يمنعهم من الإيمان؛ لأني قد قدرت عليهم الإهلاك وهو سنة الأولين (¬1) -وهذه الآية على هذا التفسير دليل إثبات القدر.
وقال أبو إسحاق: (المعنى إلاَّ طلب أن تأتيهم سنة الأولين، وسنة الأولين أنهم عاينوا العذاب فطلب المشركون ذلك {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} [الأنفال: 32] (¬2).
وقوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} قال ابن عباس والكلبي: (يريد قتل المؤمنين إياهم ببدر) (¬3). معنى {قبُلًا}: عيانًا أي: مقابلة. قرأ أهل الكوفة: قُبُلاً (¬4)، وهو يحتمل تأويلين أحدهما: أنه بمعنى قِبَلاً، فقد
¬__________
= في سورة العنكبوت الآية رقم (40): {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
(¬1) ويشهد لهذا عدد من الآيات في كتاب الله، يقول -سبحانه وتعالى- في سورة يونس الآية (96، 97): {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}. وقوله تعالى في سورة يونس الآية (101): {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}.
(¬2) "معاني القرآن" للزجاج 3/ 296.
(¬3) ذكرته كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "معالم التنزيل" 5/ 182 بمعناه، "المحرر الوجيز" 9/ 340، "الكشاف" 2/ 294، "تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 469. وذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 6 ونسبه لابن عباس والكلبي.
(¬4) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: (قِبَلاً) بكسر القاف. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (قُبُلاً) بضم القاف.
انظر: "السبعة" ص 393، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 152، "المبسوط في القراءات" 236، "التبصرة" ص 249، "النشر" 2/ 311.

الصفحة 59