كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 14)

قال أبو إسحاق: (كان المشركون سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بمشورة اليهود عن قصة أصحاب الكهف، وعن الروح، وعن هذين الرجلين فأعلمه الله الجواب؛ لأنه مثل له -صلى الله عليه وسلم- وللكفار، ومثل لجميع من آمن بالله، وجميع من عَنَدَ عنه وكفر به) (¬1). فقال: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} منصوب (¬2) على معنى المفعول.
وقوله تعالي: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} الحفُّ: الإطافة بالشيء، يقال: حفَّ القوم بسيدهم يَحُفُّون بضم الحاء إذا أطافوا به وعكفوا (¬3)، ومنه قوله: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75]. والمعنى: جعلنا النخل مطبقًا بها {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا} أي: بين الجنتين {زَرْعًا} ثم أخبر أنهما كاملتان في مادة حملهما وأعنابهما، والزرع الذي بينهما.

33 - فقال: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} ذكرنا الكلام في (كلا) عند قوله: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} [الإسراء: 23]، وأما {كِلْتَا} فذهب سيبويه إلى أنها فعلى بمنزلة الذكرى، وأصلها كلوى، فأبدلت الواو تاء كما أبدلت في أنحت وبنت (¬4). والذي يدل على أن لام "كلتا" معتلة قولهم في مذكرها: كِلَى، وكِلَى فِعَل، ولامه معتلة بمنزلة لام حِجَى وَرِضَى، وهما من الواو لقولهم: حَجَى يَحْجُو، والرضوان، ولذلك مثلها سيبويه بما اغتسلت لامه فقال: (هي بمنزلة شروى) (¬5).
¬__________
(¬1) "معاني القرآن" للزجاج 3/ 284.
(¬2) في (ص): (رجلين منصوب).
(¬3) انظر: "تهذيب اللغة" (حف) 1/ 869، "الصحاح" (حف) 4/ 1344، "القاموس المحيط" (حف) ص 801، "لسان العرب" (حفف) 2/ 930.
(¬4) "الكتاب" لسيبويه 3/ 364.
(¬5) "الكتاب" لسيبويه 3/ 364.

الصفحة 8