كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 16)

يصير في حد المنع (¬1) لما يجب (¬2). وهذا هو المحمود من النفقة: أن تكون في غير إسراف ولا تقتير (¬3).
وذُكر أن عبد الملك بن مروان، دخل على عمر بن عبد العزيز، بعد ما زوجه ابنته، فقال له: كيف نفقتك على عيالك؟ قال: الحسنة بين السيئتين، قال: كيف ذاك؟ قال: كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
¬__________
(¬1) في (ج): (المانع).
(¬2) "الحجة للقراء السبعة" 5/ 349. وظاهر هذا أن الإنفاق أريد به الإنفاق الواجب، ولم يرتض ابن عاشور 19/ 71، هذا فقال: أريد بالإنفاق هنا الإنفاق غير الواجب، وذلك إنفاق المرء على أهله، وأصحابه؛ لأن الإنفاق الواجب لا يذم الإسراف فيه، والإنفاق الحرام لا يُحمد مطلقاً بَلْه أن يذم الإقتار فيه، على أن في قوله: {إِذَا أَنْفَقُوا} إشعاراً بأنهم اختاروا أن ينفقدا ولم يكن واجباً عليهم.
(¬3) قال الهواري 3/ 218: ذكروا أن هذه أنزلت في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصفهم الله بهذه الصفة، كانوا لا يأكلون طعاماً يريدون به نعيماً، ولا يلبسون ثوباً يريدون به جمالاً، وكانت قلوبهم على قلب واحد. وأخرج نحوه ابن جرير 19/ 38، وابن أبي حاتم 8/ 2725، عن يزيد بن أبي حبيب. وليس معنى هذا أنه لا يجوز التوسع في الملبس، والمأكل، والمسكن، بل الضابط في ذلك: التوسط، فاتخاذ الرجل الثوب للجمال، يلبسه عند اجتماعه مع الناس، وحضوره المحافل والجمع والأعياد، دون ثوب مهنته، أو أكله من الطعام ما قواه على عبادة ربه، مما ارتفع عما قد يسد الجوع فذلك خارج عن معنى الإسراف، بل ذلك من القوام؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر ببعض ذلك، وحض على بعضه، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِن وَجَدَ أَوْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ" أخرجه أبو داود 1/ 650، كتاب الصلاة، رقم 1078. وابن ماجه 1/ 349، كتاب الصلاة، رقم: 1096. وصححه الألباني، "صحيح سنن أبي داود" 1/ 201. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الله يُحِبَّ أَنْ يَرَى أثَرَ نِغَمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ". قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. "سنن الترمذي" 5/ 114، كتاب الأدب، رقم: 2819. وقد بين ذلك ابن جرير 19/ 39.

الصفحة 584