كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 16)

وقوله: {وَمَن يَقعَل ذَلِكَ} قال مقاتل: هذه الخصال جميعًا (¬1).
¬__________
= قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمناً متعمداً، فجزاؤه إن جازاه جهنم خالداً فيها، ولكنه يعفو ويتفضل على أهل الإيمان به وبرسله، فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنه عز ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار، وإما أن يدخله إياها ثم يحرجه منها بفضل رحمته، لما سلف من وعده عباده المؤمنين، بقوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] قال النووي، في "شرح صحح مسلم" 17/ 82: هذا مذهب أهل العلم، وإجماعهم على صحة توبة القاتل عمداً، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس -رضي الله عنهما- وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة، لا أنه يعتقد بطلان توبته. قال ابن عطية 11/ 73: وبالقتل والزنى يدخل في هذه الآية العصاة من المؤمنين، ولهم من الوعيد بقدر ذلك.
(¬1) "تفسير مقاتل" ص 47 أ. وبه قال ابن جزي 488، وأبو حيان 6/ 472، ثم قال: فيكون التضعيف مرتباً على مجموع هذه المعاصي، ولا يلزم ذلك التضعيف على كل واحد منها؛ ولا شك أن عذاب الكفار يتفاوت بحسب جرائمهم. وجعل ابن عاشور 19/ 74، ذلك هو المتبادر من الآية، واستدل على صحته بتضعيف العذاب الذي لا يكون إلا على مجموع هذه الأفعال. وفي "تنوير المقباس" ص 305: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} استحلالاً. وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2730، عن سعيد بن جبير، في قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} من هذه الآيات الثلاث. فظاهر من كلام سعيد بن جبير تعليق الأثام على من فعل هذه المنكرات، أو بعضها، خلافاً لما ذكره الواحدي عن مقاتل، وذهب إلى قول ابن جبير الماوردي 4/ 157، والبغوي 6/ 96، ولم ينسباه، ويدل عليه ما ورد من الوعيد على من فعل بعض هذه المعاصي استقلالاً، قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا} [النساء 93]. وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]. فالجمع بين هذه المعاصي الثلاث في الآية، وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المتقدم يدل على عظم هذه المعاصي الثلاث وشناعتها، فتحريم القتل فيه حفظ للنفس، وتحريم الزنا فيه حفقاللآعراض والأنساب، وينشأ عن تساهل الناس في =

الصفحة 590