كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 16)

وذهب قوم إلى أن الله تعالى يمحو السئية عن العبد، ويثبت له بدلها الحسنة بحكم هذه الآية. ويحتجون بما روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات! قيل: من هم؟ قال: الذين بدل الله سيئاتهم حسنات" (¬1). وهذا مذهب سعيد بن المسيب، ومكحول، وعمرو بن ميمون، قال سعيد: صيَّر سيئاتهم حسنات لهم يوم القيامة (¬2).
¬__________
(¬1) أخرجه الحاكم 4/ 281، كتاب التوبة والإنابة، رقم: 7643. وقال: إسناده صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الثعلبي 8/ 104 أ، مرفوعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2733، موقوفاً على أبي هريرة، كلهم من طريق أبي العنبس عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- لكن متن ابن أبي حاتم مختلف، ولفظه: "ليأتين الله بأناس يوم القيامة رأوا أنهم قد استكثروا من السيئات، قيل: من هم يا أبا هريرة؟ قال: الذين يبدل الله بسيئاتهم حسنات". وأبو العنبس، هو: سعيد بن كثير. الحاكم 4/ 281. وحسن إسناده الألباني، في "السلسة الصحيحة" 5/ 209، رقم: 2177.
(¬2) أخرجه ابن جرير 19/ 47، وابن أبي حاتم 8/ 2733، بنحوه. وساقا بإسنادهما حديثاً مرفوعاً، من رواية أبي ذر -رضي الله عنه- وفيه "فيقول: يا رب لقد عملت أشياء ما أراها هاهنا، قال: فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، قال: فيقال له: لك مكان كل سيئة حسنة". وأخرجه مسلم 1/ 177، كتاب الإيمان، رقم: 190، من الطريق نفسه، وأخرجه الثعلبي 8/ 104 أ، والواحدي في "الوسيط" 3/ 347، وصححه. وذكر خبراً ثالثاً يدل على ذلك.
ولم يرجح الواحدي -رحمه الله- أحد هذين القولين، وكذا السمرقندي، في تفسيره 2/ 467، مع ذكرهم لهذا الحديث، وهو ظاهر مع الذي قبله في أن التبديل حقيقي، ولا عبرة بقول من أنكره، وأما القول بأن المراد تغير أعمالهم في الدنيا من الفساد إلى الصلاح فلا ينافي هذا القول فإن هذا في الدنيا، والتبديل في الآخرة، كما هو ظاهر من سياق الحديث. والله أعلم. والعجب من الواحدي الذي أورد هذا الحديث، هنا، وفي "الوسيط" مع غيره مما يؤيد معناه، ومع ذلك فقد اقتصر في "الوجيز" ص 784، على القول الأول، ولم يذكر القول الثاني. ومثله =

الصفحة 597