كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 16)

آمن من أهل مكة، وهاجر ولم يكن قتل، ولا زنا {وَعَمِلَ صَالِحًا} يريد الفرائض] (¬1) {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا} يريد: أي فضلتهم وقدمتهم على من قاتل نبيي عليه السلام، واستحل محارمي (¬2).
وعلى هذا معنى الآية: من آمن وأدى ما افتُرض عليه، ولم يكن ممن قتل وزنا، فإنه يصير إلى ما آتاه الله من التفضيل والتقديم على من قتل وزنا ثم تاب. وقال الكلبي: ومن تاب من الشرك وعمل صالحًا بعد التوحيد فإنه يتوب إلى الله متابًا، يقول: يجد عند الله متابًا (¬3).
وقال مقاتل: {وَمَنْ تَابَ} من الشرك {وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا} يعني: مناصحًا (¬4) لا يعود في شركه، ولا إلى ذلك الذنب (¬5).
هذا ما ذكره أهل التفسير في هذه الآية؛ وهو غير مقنع، ولا شاف. وكشف أرباب المعاني عن معنى الآية؛ قال صاحب النظم: ليس في نظم العرب، أن يقولوا: من قام وصلى فإنه يصلي صلاة؛ لأنه ليس في ظاهره فائدة إلا بأن يكونا مختلفين في المعنى، فالتأويل -إن شاء الله-: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فإنه يرجع يوم القيامة إلى الله عز وجل فيكافئه ويثيبه بعمله. وعلى هذا التوبة الأولى: رجوع عن الشرك والمعصية، والثانية: رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة، كقوله: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفين، ساقط من: (ج).
(¬2) ذكره الواحدي، في "الوسيط" 3/ 347، بسياق قريب من هذا.
(¬3) "تنوير المقباس" ص 305، بلفظ: يجد ثوابها عند الله.
(¬4) الناصح: الخالص. "تهذيب اللغة" 4/ 250 (نصح)، و"لسان العرب" 2/ 615.
(¬5) "تفسير مقاتل" ص 47 ب، وعلى هذا فالتوبة في الآية عن جميع السيئات. ومعناه: ومن أراد التوبة، وعزم عليها فليتب لوجه الله. "تفسير البغوي" 6/ 98.

الصفحة 599