كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 16)

والثانية قال: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يَقتدي بنا مَنْ بعدنا (¬1). وعلى هذا في الكلام محذوف يدل عليه الباقي؛ حُذف سؤالهم الاقتداء بمن قبلهم من المتقين، وذُكر سؤالهم أن يقتدي بهم المتقون؛ لأنهم لا يصيرون قادة متبعين حتى يقتدوا أولاً ويتبعوا.
وحكى الفراء، والزجاج، هذا القول الأخير (¬2). قال مقاتل: أخبر الله
¬__________
= يدعو الله أن يُحمل عنه الحديث، فحُمل عنه. وقال بعض المفسرين، في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعلنا نقتدي من قبلنا، حتى يقتديَ بنا مَنْ بعدنا. فهم على هذا التأويل متَّبِعون، ومتَّبَعون. وجعل الماوردي 4/ 161، هذه الآية دليلاً على أن طلب الرياسة في الدين ندب. وذكر نحوه ابن عطية 11/ 81، عن إبراهيم النخعي. واستدل عليه الرازي 24/ 115، بقوله تعالى عن الخليل عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84]. وذكر الطوسي 7/ 512، أن قراءة أهل البيت: واجعل لنا من المتقين إماماً. وتبعه الطبرسي 7/ 282. ولم أجد من ذكر هذه القراءة غيرهما، فلا يبعد أن تكون من تأويلات الشيعة لإثبات عقيدة الإمامة. والله أعلم.
(¬1) أخرجه عنه، ابن جرير 19/ 53، وأخرج نحوه ابن أبي حاتم 8/ 2742، ثم قال: وروي عن الحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي نحو ذلك.
(¬2) "معاني القرآن" للفراء 2/ 274. وذكر قبل قول مجاهد، أن المراد: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا. وأما الزجاج 4/ 78، فذكر قولاً واحداً واقتصر عليه، ولم ينسبه، وهو: واجعلنا ممن يهتدي بنا المتقون، ونهتدي بالمتقين. ولم يرجح الواحدي -رحمه الله- أحد القولين، مع أنه اقتصر في "الوسيط" 3/ 349، على القول الأول. ومال في "الوجيز" إلى الجمع بينهما فقال: اجعلنا ممن يهتدي به المتقون، ويهتدي بالمتقين. "الوجيز" 2/ 784. وأما ابن جرير، فقد رجح القول الأول: اجعلنا للمتقين إمامًا يأتمون بنا في الخيرات. لموافقته لظاهر الآية. وقال ابن عاشور 13/ 435: ولما كان المطلوب من المسلمين الاجتماع في الطاعة حتى تكون الكلمة في المتابعة واحدة، أشاروا إلى ذلك بتوحيد الإمام وإن كان المراد الجنس فقالوا: {إِمَامًا}.

الصفحة 615