كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 16)

قال ابن الأنباري: وهذا لم يقل به أحد من السلف، وهو عندي غير صحيح؛ لأن الدعاء يجوز أن يقع على شيئين متضادين، فيقال: لولا دعاؤكم الأصنام، ولولا دعاؤكم الله، وإذا احتمل الحرف الوقوع على معنيين متضادين، لم يجز حذف المنوي؛ لأنه يلتبس؛ ألا ترى أن من قال: أنا أكره كلامك، لم يحسن له أن يقول: أنا أكره. ويسكت؛ لأن المخاطب لا يدري أكراهته تقع على الكلام، أم على السكوت، فإضمار ابن قتيبة الشركاء، والآلهة، في الآية غير صحيح (¬1). وأيضًا فإنه لا خلاف بين النحوين أنهم إذا قالوا: ما عبأت بفلان، معناه: ما عددته شيئًا؛ ولم يقل منهم أحد: إن معناه: ما عبأت بكلامه، أو بغضه، أو رضاه؛ لأن المضمر مجهول المعنى، وما جهل معناه لم يخذف؛ ثم قال: وتأويل الآية: ما يعبأ بكم ربي، لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه، أي: لولا هذا ما عدكم الله شيئًا، ولا كانت له فيكم حاجة.
قوله: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} الخطاب لأهل مكة، أي: كذبتم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- (¬2). واتصال هذا الكلام بما قبله على معنى: أنه دعاكم إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوا دعوته (¬3).
¬__________
= به لخروجه عن أقوال أهل العلم من أهل التأويل. وقد ذكر الشنقيطي 6/ 359، هذه المسألة بالتفصيل واستدل على صحة الأقوال الواردة في الآية، واستبعد القول الذي ذكره ابن قتيبة؛ لأن فيه تقدير مالا دليل عليه، ولا حاجة إليه.
(¬1) سبق ذكر رد ابن جرير عليه.
(¬2) أخرج ذلك ابن أبي حاتم 8/ 2745، عن السدي.
(¬3) أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2745، عن الوليد بن أبي الوليد، قال: بلغني أن تفسير هذه الآية: ما خلقتكم لي بكم حاجة، إلا أن تسألوني فأغفر، وتسألوني فأعطكم.

الصفحة 623