كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 17)

{إِلَّا وَجْهَهُ} إلا إياه (¬1). وعلى هذا: الوجه، صلةٌ في الكلام. وقال ابن كيسان: إلا ملكه (¬2).
والوجه يجوز أن يكون عبارة عن: المُلك؛ لأن الوجه من الوجاهة, والمَلِك مِنْ أوجه الناس، فسمي المَلِك وجهًا. وهذا معنى قول الضحاك في هذه الآية: كل شيء هالك إلا الله، والجنة، والنار، والعرش. والاختيار: القول الأول، وهو الذي يليق بمعنى الآية (¬3).
¬__________
(¬1) "معاني القرآن" للزجاج 4/ 158، واقتصر عليه ابن قتيبة، في "تأويل مشكل القرآن" 254، 480.
(¬2) ذكره البخاري، ولم ينسبه. "الفتح" 8/ 505.
(¬3) إن كان المقصود من هذا إنكار صفة الوجه لله -عز وجل- فهذا قول باطل؛ فالوجه من الصفات التي يجب الإيمان بها مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق. "أضواء البيان" للشنقيطي 6/ 457. والقول بأن المراد بالوجه في الآية ما أريد به وجه الله من الأعمال قول صحيح، لا ينافي القول الأول فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد بها وجه الله -عز وجل- من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة، والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية، وهالكة وزائلة إلا ذاته تعالى، فإنه الأول والآخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء. "تفسير ابن كثير" 6/ 262. لكن لا يجوز أن يُفهم من القول الثاني إنكار صفة الوجه؛ وكلام الواحدي يُشعر بذلك، حيث قال الواحدي بعد ذكره مؤيدًا له: وهو الذي يليق بمعنى الآية. وصرح الواحدي بنفي صفة الوجه في تفسير: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27] قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} أي: ربك الظاهر بأدلته ظهور الإنسان بوجهه. "الوسيط" 4/ 221. وفي "البسيط" ذكر القول الذي اقتصر عليه في "الوسيط"، وزاد قولاً آخر؛ وهو: ويبقى ربك، وهو السيد المعظم, والوجه يذكر بمعنى الشيء المعظم، كقولهم: هذا وجه القوم، ووجه التدبير, أي: التدبير المعظم. ولا يجوز أن يكون الوجه هاهنا صلة لقوله: {ذُو} بالرفع وهو من صفة الوجه، ولو كان الوجه صلة لقيل: ذيَ، ليكون صفة لقوله ربك. أهـ
وهذا التعليل الذي ذكره الواحدي وصرف به الآية عن ظاهرها ليس بوجيه فإن =

الصفحة 480