كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 18)
خياطة الخياط، وبناء الباني، ونجر النجار، ويضاف إلى المفعول, لأنه فيه حَلَّ، يقولون: ما أحسن بناءَ هذه الدار، وخياطةَ هذا الثوب، ونجرَ هذا الباب، ومثل هذا في القرآن كثير؛ كقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] أي: حب المال {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8]: أي حب الطعام، ومثله: {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} [ص: 24] وهذا مما ذكرنا قديمًا (¬1).
3، 4 - قوله تعالى: {سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} ذكرنا تفسير البضع عند قوله: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] (¬2). أخبر الله تعالى: أن الروم بعد ما غُلبوا سيغلبون، ويصيرون غالبين لفارس؛ روى عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} ناحب أبو بكر قريشًا ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: إني ناحبتهم، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فهلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع" (¬3).
¬__________
(¬1) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: قال الفراء والزجاج: والمعنى: بسؤاله نعجتك فأضيف المصدر إلى المفعول لما ألقيت الهاء من السؤال، ومثله: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49] أي: من دعائه بالخير، فلما ألقى الهاء أضيف الفعل إلى الخبر وألقي من الخبر الباء، كقول الشاعر:
ولست مُسلِمًا ما دمت حيًا ... على زيد بتسليم الأمير
أي: بتسليمي على الأمير.
(¬2) ذكر الواحدي في تفسير هذه الآية الخلاف في البضع، والأقوال التي ذكرها:
1 - البضع ما لم يبلغ العقد ولا نصفه؛ أي: من واحد إلى أربعة. قاله أبو عبيدة.
2 - قال الأصمعي: ما بين الثلاث إلى التسع، وصححه الزجاج.
3 - البضع ما بين العقدين، وهو قول الأخفش. ثم قال الواحدي: وعامة المفسرين على أن المراد بالبضع هاهنا: سبع.
(¬3) أخرجه ابن جرير 21/ 17، من طريق ابن شهاب الزهري عن عبيد الله، عن عبد الله بن عباس. ومن الطريق نفسه أخرجه الترمذي 5/ 320، كتاب التفسير، =
الصفحة 10
530