كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 18)

ثم قال: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} قال مقاتل والكلبي: يعني كفار مكة (¬1) {بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ} قال ابن عباس والمفسرون: بالبعث بعد الموت {لَكَافِرُونَ} لا يؤمنون أنه كائن (¬2).
قال أبو إسحاق: معناه: لكافرون بلقاء ربهم، تقدمت الباء؛ لأنها متصلة بكافرون، وما اتصل بخبر إنَّ جاز أن يُقدم قَبل اللام، ولا يجوز أن تدخل اللام بعد مضي الخبر، كقولك: زيد كافر لباللَّه؛ لأنها تدخل على الابتداء والخبر فتؤكد الجملة، ولا تأتي توكيدًا وقد مضت الجملة (¬3).

9 - قال مقاتل: ثم خوفهم فقال: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني: الأمم الخالية كان عاقبتهم العذاب في الدنيا (¬4). والمعنى: أو لم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم ويعلموا أنهم أهلكوا بتكذيبهم فيعتبروا. ثم وصفهم فقال:
{كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} أي: أعطاهم من القوة ما لم يعطِ هؤلاء {وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} ذكرنا تفسير: الآثار، عند قوله: {تُثِيرُ الْأَرْضَ} [البقرة: 71] (¬5) قال الفراء: حرثوها (¬6). وهو قول مجاهد (¬7).
¬__________
(¬1) "تفسير مقاتل" 77 أ، و"تنوير المقباس" ص 339.
(¬2) "تفسير مقاتل" 77 أ، بنصه.
(¬3) "معاني القرآن" للزجاج 4/ 179.
(¬4) "تفسير مقاتل" 77 أ.
(¬5) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: {تُثِيرُ الْأَرْضَ} أي: تقلبها للزراعة. ومعنى الإثارة: تفريق الشيء في كل جهة، يقال: أثرت الشيء واستثرته إذا هيجته ...
(¬6) "معاني القرآن" للفراء 2/ 322. وقال أبو عبيدة: أي: استخرجوها، ومنه قولهم: أثار ما عندي: أي: استخرجه، وأثار القوم: أيَ: استخرجهم. "مجاز القرآن" 2/ 119.
(¬7) أخرجه ابن جرير 21/ 25.

الصفحة 18