وعمارة من أهل مكة؛ لأن أهلَ مكة لم يكونوا أصحاب حرث (¬1).
قوله: {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} قال ابن عباس: يريد: الحلال والحرام، والأحكام والحدود. وقال مقاتل: فيعذبهم على غير ذنب (¬2) {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكفر والتكذيب. ودلَّ هذا الكلام على أنهم لم يؤمنوا فأهلكوا؛ لأن الله أعلم أنه عذبهم غيرَ ظالم لهم.
قال صاحب النظم: يأتي [الظلم] (¬3) في الكلام لثلاثة معانٍ؛ أحدها: وضع الشيء في غير موضعه، كقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وذلك أنه وضع الربوبية غير موضعها. والثاني: المنع والحبس، كقوله: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] والثالث: أخذ الشيء قبل وقت أخذه، كقول الشاعر:
وقائلة ظلمتُ لكم سقائي ... وهل يخفى على العَكِد الظليم (¬4)
والظليم هاهنا: اللبن يُشرب قبل أن يُدْرِك وَيروب؛ والمعاني الثلاثة
¬__________
(¬1) "معاني القرآن" للزجاج 4/ 179.
(¬2) "تفسير مقاتل" 77 ب، في تفسير قول الله تعالى: {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} فلعل ذكر الآية سقط من النسختين. والله أعلم.
(¬3) كلمة (الظلم) غير موجودة في النسختين، وزدتها لاستقامة الكلام.
(¬4) "تهذيب اللغة" 14/ 383 (ظلم)، ولم ينسبه. وكذا في "مقاييس اللغة" 3/ 469. وكذا في "لسان العرب" 12/ 375. سبق أن استشهد الواحدي بهذا البيت في تفسير سورة البقرة. والبيت غير منسوب في "جمهرة الأمثال" 1/ 131، واستشهد بهذا البيت في ذكر المثل: أهون مظلوم سِقاء مروَّب. وكذا في "مجمع الأمثال" 2/ 482، و"المستقصى" للزمخشري 1/ 444. والعَكِد: أجل اللسان. "تهذيب اللغة" 1/ 300 (عكد). معنى البيت: أن اللسان يدرك بالشرب أن اللبن قد ظُلِم بأخذه قبل وقته.