ورزقه فيها وجعلها جنته، فإذا ركب السفينة سلمه الله ورزقه حتى يموت (¬1). وكل نبي إذا كذبه قومه عجل لهم العذاب، إلا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فإنه أخر العذاب عمن كذبه إلى الموت وإلى القيامة، وهو معنى قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
قال أبو إسحاق: (رحمة منصوب مفعول لها المعنى: لا ينقذون إلا لرحمة منا ولمتاع إلى حين) (¬2). وهذا ليس بالظاهر القوي.
قال أبو عبيدة: {وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً} مجازها مجاز المصدر الذي فعله بغير لفظه، وأنشد قول رؤبة:
إن نزارًا أصبحت نزارا ... دعوةَ أبرارٍ دعوا أبرارًا (¬3) " (¬4)
يعني: دعوا دعوة أبرار، كذلك المعنى في الآية: إلا أن يرحمهم رحمة، والمتاع هاهنا اسم أقيم مقام المصدر كالأداء والسراج.
45 - وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} اختلفوا في هذا، فقال مقاتل وقتادة: ما بين أيديكم عذاب الأمم الخالية، وما خلفكم عذاب الآخرة (¬5). وعكس الكلبي فقال: ما بين أيديكم من أمر
¬__________
(¬1) أورده المؤلف في "الوسيط" 3/ 515، ولم أقف عليه عند غيره.
(¬2) "معاني القرآن وإعرابه" 4/ 289.
(¬3) البيت من الرجز، لرؤبة في "الكتاب" 1/ 382، "مجاز القرآن" 2/ 162، وبلا نسبة في: "شرح المفصل" 1/ 177، "المخصص" 15/ 137. ومعنى البيت: أن ربيعة ومضر ابني نزار كانت بينهما حرب وتقاطع، فلما اصطلحوا انتموا كلهم إلى أبيهم نزار وجعلوه شعارهم، فجعل دعوتهم برَّة بذلك.
(¬4) "مجاز القرآن" 2/ 162.
(¬5) "تفسير مقاتل" 107 ب. وانظر: "الطبري" 23/ 12، "الماوردي" 5/ 21، "البغوي" 4/ 14.