فإذا كان هذا لا يجوز بينكم فكيف تجعلونه لله (¬1).
وقال أبو إسحاق: أعلم الله -عز وجل- أن مملوك الإنسان ليس بشريكه في ماله وزوجته، وأنه لا يخاف أن يرثه مملوكه، يقول: فقد جعلتم ما هو مُلكٌ لله مِنْ خلقه مثلَ الله وأنتم كلكم بشر ليس مماليككم بمنزلتكم في أموالكم، فالله -عز وجل- أجدرُ أن لا يُعدل به خلقُه. انتهى كلامه (¬2).
انتصب قوله: {أَنْفُسِكُمْ} وهو مضاف إلى الفاعل، كما تقول: عجبت من اشترائك عبدًا لا تحتاج إليه، فإذا أضيف المصدر إلى المفعول ارتفع ما بعده، تقول: عجبت من موافقتك كثرة شربِ الماء؛ لأن المعنى: من أن وافقك، والعرب تقول: عجبت من قيامكم أجمعون وأجمعين، فمن خفض أتبعه اللفظ؛ لأنه في الظاهر خفض، ومن رفع ذهب إلى التأويل، وذلك أنه في تأويل رفع؛ لأنهم الفاعلون. هذا قول الفراء (¬3).
قوله تعالى: {كَذَلِكَ} أي: كما بينا في ضرب المثل من أنفسكم. قال مقاتل: هكذا نبين الآيات {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} عن الله الأمثال فيوحدونه.
29 - ثم ذكر الله الذين ضرب لهم المثل فقال: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} (¬4) يعني: الذين أشركوا {أَهْوَاءَهُمْ} في الشرك {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يعلمونه بأن مع الله شريكًا. قاله مقاتل (¬5). وقال ابن عباس: يريد: بغير علم جاءهم من الله.
¬__________
(¬1) "تأويل مشكل القرآن" ص 382.
(¬2) "معاني القرآن" للزجاج 4/ 184.
(¬3) "معاني القرآن" للفراء 2/ 324.
(¬4) "تفسير مقاتل" 78 ب.
(¬5) "تفسير مقاتل" 78 ب.